img

وَجَاءَ‭ ‬مِنْ‭ ‬أَقْصَىَ‭ ‬المَدِيْنَةِ‭ ‬رَجُلٌ‭ ‬يَسْعَىَ

لتحميل الكتاب

المهندس حسام خوش نويس

شهيد اعمار وحب لبنان ومقاومته


عايشت المهندس الشهيد حسام خوش نويس رحمه الله منذ اليوم الاول لقدومه الى لبنان بعد هزيمة اسرائيل في عدوان تموز 2006 وعودة الاهالي الى مدنهم وقراهم التي دمرت اسرائيل بنيتها التحتية وكثيرا من المباني والمؤسسات فيها .
فبعيد توقف العدوان , زار وفد من الجمهورية الاسلامية الايرانية برئاسة نائب الرئيس الايراني لبنان , وجال على الرؤساء الثلاثة , وطرح استعداد ايران للمساهمة بإعادة اعمار لبنان , وتم اختيار المهندس حسام القادم من تجربة عريقة في إعمار المناطق المتضررة من الحروب في ايران وافغانستان , ليكون رئيسا للهيئة المكلفة بذلك في لبنان , وكنت انا ممثلا لقيادة حزب الله والاخ المهندس سعيد ناصر الدين ممثلا لقيادة حركة امل في معاونة الاخ حسام في ادارة وتنفيذ المشاريع المختلفة التي تتطلب معرفة بالواقع وجهداً استثنائياً وجباراً . ولسرعة اطلاق العمل بدأنا مباشرة من خلال مكتب في السفارة خصص على عجل لجهود إعادة الاعمار , الى ان اخذنا مكتبا مستقلا , وتم تشكيل فريق عمل الهيئة من مهندسين ومعاونين وخبراء في شؤون الاعمار والبناء والادارة والخدمات .
وبدأنا منذ اللحظة الاولى جولاتنا على المناطق و البلديات في الضاحية والجنوب والبقاع , وعاينا الاضرار في الطرقات والجسور ودور العبادة من مساجد وكنائس بالاضافة الى المدارس والمستشفيات وغيرها , وسرعان ما تكونت لدى الهيئة بالتعاون مع المناطق والبلديات احصاءات أولية عن حجم الاضرار , فتم وضع خطط سريعة , والاتصال بالمقاولين من كل المناطق ومباشرة تلزيمهم البدء بالاصلاح والترميم والبناء دون إبطاء , ومن هنا بدأت اعمال الهيئة تتسع وتكبر بسرعة فائقة حتى أكملت ست سنوات ونصف من العطاء المتميز والمنتشر على كل ساحة الوطن , وبلغت انجازاتها 17328 مشروعاً تنموياً موزعة بين مشاريع كبرى كالطرقات والجسور ودور العبادة ومشاريع وسطى وصغرى , وحديث انجازات هذه السنوات التي قضاها المهندس حسام في لبنان يطول ويحتاج الى كتب وصفحات طوال لإيفائها حقها , لكن في لحظة استشهاده الغالية , له علينا حق الشهادة ممن عايشه وكان لصيقا به لسنوات :
لقد طبع الشهيد بنشاطه وحركته المتميزة وعطائه المتوقد مرحلة إعادة الاعمار في لبنان بحضوره , حتى انه لا يمكن الحديث عن مرحلة اعادة اعمار في لبنان بعد حرب تموز دون ان يكون اسم المهندس حسام والهيئة الايرانية الحاضر الاول والاكبر في اذهان الناس من اقصى الجنوب الى البقاع مروا بالضاحية الجنوبية لبيروت , وبالطبع في اذهان المسؤولين والمتابعين لحركة الاعمار في لبنان , وامتاز حضوره بمميزات ثلاث :
1- الدينامية العالية والنشاط المتواصل , والتفاني والصدق والاخلاص في العمل , لقد كنا بالكاد نلحق به ونجاريه في العمل والانجاز , كان يسبقنا دوما الى المكتب والى الميدان , منذ الصباح الباكر حتى ساعات الليل المتأخرة , كان يحب ان يكون حاضرا في ورش العمل قبل العمال والمتعهدين , ولطالما كنا نذهب من بيروت الى الهرمل باكرا لنكون في السابعة صباحا هناك , ولنكون حاضرين عند بدء العمل في الجسر المدمر الذي يربط الهرمل بباقي البقاع , ويصر على المتعهد والعمال للعمل ولو في ساعات الليل لانجاز العمل بأسرع ما يمكن لترتاح الناس , لقد عشق الميدان لا المكاتب , وهذا النسق من العمل هو نفسه في الجنوب والضاحية الجنوبية وكل مكان .
لم يكن لديه يوم اسمه عطلة , لا يوم جمعة ولا يوم احد , فكل يوم هو يوم عمل , كأنه كان يتعبه الجلوس او الاستراحة , كانت حياته مجبولة بالحركة والعطاء المتواصلين , حتى انه احياناً كثيرة كان ينتقل من اقصى الجنوب في صور او بنت جبيل الى بعلبك او الهرمل ليكون مطلعاً في يوم واحد على سير مشاريع الاعمار في كل مساحات الوطن ...
2- الميزة الثانية التي طبعت مرحلة حضوره , هي حبه للبنان وأهله , المقاومين والصامدين منهم خاصة , لقد كان يعمل بحب , ويعطي بحب وتقدير عاليين لهذا الشعب اللبناني البطل الذي كان يفخر به انه هزم اسرائيل واعطى العالم دروساً في العزة والكرامة والعنفوان .
ولذلك كان دائماً يردد " اننا في الجمهورية الاسلامية جئنا لخدمة هذا الشعب المقاوم البطل والعزيز " , وكان سعيداً جداً بعمله هذا مع الشعب اللبناني , ولذالك تراه أحبه الناس في كل المناطق والقرى التي ساهم فيها باعادة اعمار او ترميم طريق او مدرسة او مسجدا او كنيسة او حديقة , كان متواضعا مخلصاً ومفعما بالصدق والعفوية , وهو يجول على المشاريع , كان يسلم على الصغير والكبير , ويولى اهتماماً خاصاً بكبار السن والفقراء والمحتاجين , وينحني امام عوائل الشهداء الذين كان يفخر بهم ويقبل اياديهم .. لم يكن يرفض لاحد طلباً .. حتى انه كان يحرجنا احياناً كثيرة بوعوده النابعة من رغبته وحبه لخدمة اهلنا الطيبين وذلك كون الموازنات محددة والحاجات الانمائية ضخمة ومزمنة لا تكفيها موازنة اعادة اعمار ماهدمه العدوان .
3- الميزة الثالثة التي طبعت مرحلة حضوره هي اعتماده لأحدث المواصفات الفنية العالية في تنفيذ المشاريع التي قامت بها الهيئة الايرانية , وخاصة في مشاريع البنية التحتية والتي استورد لأجلها احدث المعدات والآليات والمختبرات ومجابل الزفت والباطون من المانيا وسويسرا , واعتمد احدث الأساليب واستعان بمكتب اشراف نمساوي ذو خبرة عالمية لانجاز طرقات بمواصفات عالية , واليوم يتحدث اللبنانيون بوضوح عن المتانة والنوعية المميزة للطرقات والمشاريع التي نفذتها الهيئة وتميزها عن غيرها من المشاريع .
ولحبذا هنا ان تحذو كل الهيئات المانحة والمؤسسات اللبنانية المعنية حذو الهيئة الايرانية في هذا المجال , ليغدو وطننا لبنان اجمل , ومشاريعه اقوى واكثر قدرة على الثبات والخدمة لسنوات بما يعود بالنفع المديد على كل المواطنين .
استشهد المهندس العزيز رفيق مرحلة ما دمره العدوان , المرحلة التي عشقها وذاب فيها واعطاها كل ذرة من كيانه , استشهد ولم يرحل , ليس فقط لأنه باق في اذهان وقلوب اللبنانيين , بل لأنه أيضا كان يرغب في البقاء والعطاء هنا في لبنان , في آخر لقاء جمعنا قبل سفره الاخير الذي كنا ننتظر عودته لمباشرة الاعمال , قال لي : انا اعرف اننا انجزنا القسم الاكبر من المشاريع والمهمات وبقي القليل , لكنني أحببت هذا البلد وأهله الطيبين ,أحببت مقاومته وابطاله , واتمنى ان نقوم بمشاريع جديدة لنبقى على تواصل مع أهلنا الطيبين .
عزيزي الشهيد : هنيئاً لك مرتبة الشهادة التي كنت تطلبها دوما وتتمناها بشغف , كنت أرى ذلك في عينيك عندما تنظر الى أباء وأمهات وعوائل الشهداء.... أنت قدمت أغلى سنيّ عمرك في لبنان ... وقدمت حياتك وانت قادم الى لبنان في سبيل خدمة اهله ومقاومته على طريق فلسطين التي كانت تعيش في قلبك وعقلك دوما , فأنت شهيد لبنان وفلسطين ... وشهيد حبهما وعشقهما وأهلهما .
فالى عائلتك المجاهدة والى كل الأبطال العاملين في الهيئة الايرانية في إعادة الاعمار , الى كل من عرفك وأحبك والى كل اللبنانيين والى الجمهورية الاسلامية قيادة وشعباً , نقدم لهم اسمى آيات العزاء الجميل والافتخار بك أيها الشهيد العزيز المتميز بعشقه للعطاء والجهاد والشهادة .

المهندس الحاج حسن حجازي
مسؤول وحدة المهن الحرة في حزب الله

نشر في جريدة السفير بتاريخ 16-02-2013