img

وَجَاءَ‭ ‬مِنْ‭ ‬أَقْصَىَ‭ ‬المَدِيْنَةِ‭ ‬رَجُلٌ‭ ‬يَسْعَىَ

لتحميل الكتاب

الثورة‭ ‬والإمام


حين‭ ‬بدأت‭ ‬الثورة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬أوائل‭ ‬المؤمنين‭ ‬بها‭ ‬والداعين‭ ‬إليها،‭ ‬مستميتاً‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عنها،‭ ‬ومنذ‭ ‬البدايات‭ ‬كانت‭ ‬شغله‭ ‬الشاغل،‭ ‬وهمه‭ ‬الأكبر‭. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬فرداً‭ ‬من‭ ‬الثّوّار،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬قائداً‭ ‬على‭ ‬صغر‭ ‬سنّه،‭ ‬كان‭ ‬دائماً‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬يقودنا‭ ‬في‭ ‬المظاهرات،‭ ‬ومن‭ ‬ينظم‭ ‬النشاطات،‭ ‬متعرضاً‭ ‬للكثير‭ ‬من‭ ‬الضغوط‭ ‬والأخطار‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يبالي،‭ ‬وكأنه‭ ‬نذر‭ ‬نفسه‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬يملك‭ ‬لأجل‭ ‬الثورة‭.‬
كان‭ ‬يرى‭ ‬الإمام‭ ‬بطريقة‭ ‬تختلف‭ ‬عما‭ ‬كنا‭ ‬نراه‭ ‬نحن‭ ‬الذين‭ ‬نقاربه‭ ‬سناً،‭ ‬في‭ ‬شغفه‭ ‬به،‭ ‬وطريقة‭ ‬حديثه‭ ‬عنه‭. ‬يحفظ‭ ‬كلماته‭ ‬عن‭ ‬ظهر‭ ‬قلب،‭ ‬وما‭ ‬أشد‭ ‬ذلك‭ ‬الالتزام‭ ‬الدقيق‭ ‬بتعاليم‭ ‬الإمام،‭ ‬فهو‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬كما‭ ‬يقوم‭ ‬المؤمن‭ ‬بصلاته‭ ‬وصيامه،‭ ‬ويتعامل‭ ‬معها‭ ‬كالواجب‭ ‬والحرام‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬يقول‭.‬
كان‭ ‬يعمل‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬هو‭ ‬مطلوب‭ ‬منه،‭ ‬كما‭ ‬يقوم‭ ‬بالمستحب‭ ‬في‭ ‬عبادته،‭ ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬يترك‭ ‬أمراً‭ ‬يخص‭ ‬الثورة‭ ‬أو‭ ‬يخدمها‭ ‬إلا‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬على‭ ‬أكمل‭ ‬وجه،‭ ‬رغم‭ ‬المخاطر‭ ‬والصّعاب،‭ ‬وحين‭ ‬كنا‭ ‬نطلب‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المواقف‭ ‬الخطرة‭ ‬أن‭ ‬يهدأ،‭ ‬أو‭ ‬يؤجل‭ ‬كان‭ ‬يقول‭: ‬وهل‭ ‬تؤجل‭ ‬العبادة‭ ‬وطاعة‭ ‬الله؟‭. ‬
هكذا‭ ‬كان‭ ‬يرى‭ ‬الثورة‭ ‬والإمام،‭ ‬وهكذا‭ ‬كان‭ ‬يقودنا‭ ‬خلف‭ ‬حماسه‭ ‬وايمانه‭. ‬
لم‭ ‬يهدأ‭ ‬هذا‭ ‬النشاط‭ ‬الثوري‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬يزداد‭ ‬يوماً‭ ‬بعد‭ ‬يوم،‭ ‬لا‭ ‬سيّما‭ ‬في‭ ‬الايام‭ ‬الأخيرة‭ ‬للثورة،‭ ‬حيث‭ ‬يقول‭ ‬من‭ ‬رافقه‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ينام‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬الحاسمة‭ ‬من‭ ‬أيام‭ ‬الثورة‭ ‬الإسلامية‭ ‬،‭ ‬وعندما‭ ‬انتصرت‭ ‬الثورة‭ ‬ظننته‭ ‬سيهدأ‭ ‬ولو‭ ‬قليلاً،‭ ‬وكنت‭ ‬أقول‭ ‬له‭ ‬إنه‭ ‬آن‭ ‬لك‭ ‬أن‭ ‬تستريح‭ ‬قليلاً،‭ ‬ولكن‭ ‬ظني‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬في‭ ‬مكانه‭ ‬أبداً،‭ ‬فقد‭ ‬أصدر‭ ‬الإمام‭ ‬الخميني‭ ‬حينها‭ ‬أمراً‭ ‬لجهاد‭ ‬البناء،‭ ‬بمساعدة‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬الماء‭ ‬و‭ ‬البناء،‭ ‬و‭ ‬الزراعة،‭ ‬فانطلق‭ ‬وكأن‭ ‬الثورة‭ ‬قد‭ ‬بدأت‭ ‬للتو،‭ ‬ناشراً‭ ‬لفكرة‭ ‬جهاد‭ ‬البناء،‭ ‬ومحرضاً‭ ‬عليها‭ ‬بكل‭ ‬الأساليب،‭ ‬وأهم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يدعو‭ ‬له‭ ‬بالعمل،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬يعمل‭ ‬أمام‭ ‬الجميع‭ ‬وأولهم،‭ ‬بنشاط‭ ‬وجهد‭ ‬عجيبين،‭ ‬وكأنه‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬رجل،‭ ‬فلم‭ ‬يترك‭ ‬مكاناً‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الجهاد‭ ‬إلا‭ ‬وذهب‭ ‬إليه،‭ ‬مشمّراً‭ ‬عن‭ ‬ساعديه‭ ‬في‭ ‬البناء،‭ ‬إذ‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬ذا‭ ‬خبرة‭ ‬وافية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاختصاص،‭ ‬بنى‭ ‬غرفاً‭ ‬وأصلح‭ ‬منازل،‭ ‬وكان‭ ‬يذهب‭ ‬يومياً‭ ‬إلى‭ ‬المزارعين‭ ‬ليساعدهم‭ ‬في‭ ‬شؤونهم،‭ ‬وفي‭ ‬زمن‭ ‬حصاد‭ ‬القمح‭ ‬تفرغ‭ ‬لذلك‭ ‬تماماً‭. ‬أذكر‭ ‬تماماً‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬السنوات‭ ‬كان‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬في‭ ‬فصل‭ ‬الصيف،‭ ‬ولم‭ ‬يشكل‭ ‬ذلك‭ ‬فارقاً‭ ‬عنده،‭ ‬يذهب‭ ‬إلى‭ ‬هناك‭ ‬منذ‭ ‬الفجر،‭ ‬ويظل‭ ‬يعمل‭ ‬تحت‭ ‬أشعة‭ ‬الشمس‭ ‬الحارقة‭ ‬وهو‭ ‬صائم،‭ ‬يعمل‭ ‬لمدة‭ ‬18‭ ‬ساعة‭ ‬في‭ ‬اليوم‭. ‬ويأتي‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬مبتسماً‭ ‬سعيداً،‭ ‬وكأنَّ‭ ‬ما‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬أمر‭ ‬لا‭ ‬صعوبة‭ ‬فيه‭.‬