img

وَجَاءَ‭ ‬مِنْ‭ ‬أَقْصَىَ‭ ‬المَدِيْنَةِ‭ ‬رَجُلٌ‭ ‬يَسْعَىَ

لتحميل الكتاب

حديقة‭ ‬المعصومة‭ ‬(ع)


كان‭ ‬تمويل‭ ‬المشاريع‭ ‬في‭ ‬بلدية‭ ‬النبطية‭ ‬من‭ ‬بلدية‭ ‬طهران،‭ ‬ولكن‭ ‬الإشراف‭ ‬والتنفيذ‭ ‬كان‭ ‬للهيئة‭ ‬الايرانية،‭ ‬ولرئيسها‭ ‬المهندس‭ ‬حسام‭. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬إشرافاً،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬عملاً‭ ‬مجرداً،‭ ‬كان‭ ‬وجعاً‭ ‬عند‭ ‬طبيب،‭ ‬مشكلات،‭ ‬وأسئلة،‭ ‬وهموماً‭ ‬بين‭ ‬يدي‭ ‬حكيم،‭ ‬خراباً‭ ‬بين‭ ‬يدي‭ ‬فنان‭ ‬ذو‭ ‬خبرة‭ ‬وذوق‭ ‬رفيع‭.‬
كانت‭ ‬النبطية‭ ‬في‭ ‬قلبه‭ ‬كما‭ ‬كل‭ ‬الجنوب،‭ ‬وضع‭ ‬مشاكل‭ ‬النبطية‭ ‬في‭ ‬قلبه،‭ ‬عالجها‭ ‬بخفقات‭ ‬قلبه‭ ‬المتعاطف‭ ‬الرؤوف‭. ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬شجعنا‭ ‬لطلب‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬محسوباً،‭ ‬تعبيد‭ ‬طريق‭ ‬النبطية‭ ‬بنت‭ ‬جبيل‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬مساحة‭ ‬500‭ ‬م‭ ‬غير‭ ‬مدرجة‭ ‬ضمن‭ ‬برنامج‭ ‬التعبيد‭ ‬لهذه‭ ‬الطريق،‭ ‬طلبنا‭ ‬أن‭ ‬تعبّد‭ ‬هذه‭ ‬المساحة،‭ ‬فالطريق‭ ‬كان‭ ‬يبدأ‭ ‬من‭ ‬سريّة‭ ‬الدرك‭ ‬جانب‭ ‬المهنية،‭ ‬طلبنا‭ ‬اليه‭ ‬تعبيد‭ ‬هذه‭ ‬المساحة،‭ ‬وما‭ ‬ان‭ ‬اطلع‭ ‬على‭ ‬جدوى‭ ‬الاقتراح‭ ‬والحاجة‭ ‬إليه‭ ‬حتى‭ ‬وافق‭ ‬فوراً،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المساحة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬مدرجة‭ ‬ضمن‭ ‬الطريق،‭ ‬وهذا‭ ‬واحدٌ‭ ‬من‭ ‬أمثلة‭ ‬كثيرة‭. ‬
موقف‭ ‬النقل‭ ‬العام،‭ ‬مثال‭ ‬كبير،‭ ‬كنا‭ ‬بحاجة‭ ‬ماسة‭ ‬إلى‭ ‬هكذا‭ ‬موقف،‭ ‬فسيارات‭ ‬النقل‭ ‬تنتشر‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬بطريقة‭ ‬عشوائية،‭ ‬مسببة‭ ‬زحمة‭ ‬سير‭ ‬خانقة،‭ ‬بخبرته‭ ‬وذكائه،‭ ‬والتعاطف‭ ‬الذي‭ ‬يعتمل‭ ‬في‭ ‬قلبه،‭ ‬جعل‭ ‬تلك‭ ‬التجربة‭ ‬مثالية،‭ ‬وهو‭ ‬الآن‭ ‬من‭ ‬أفضل‭ ‬مواقف‭ ‬الركاب‭ ‬في‭ ‬لبنان‭. ‬
وموضوع‭ ‬حي‭ ‬السراي،‭ ‬أقدم‭ ‬حي‭ ‬في‭ ‬بلدة‭ ‬النبطية،‭ ‬أول‭ ‬بيوت‭ ‬في‭ ‬النبطية‭ ‬أنشئت‭ ‬فيه،‭ ‬حيث‭ ‬انطلقت‭ ‬النبطية‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الحي،‭ ‬وهو‭ ‬حي‭ ‬المستضعفين،‭ ‬الذي‭ ‬شَهِدَ‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المواجهات،‭ ‬ومنه‭ ‬انطلق‭ ‬المقاومون،‭ ‬حيٌّ‭ ‬له‭ ‬معانٍ‭ ‬متعددة،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬المهندس‭ ‬حسام‭ ‬يوليه‭ ‬اهتماماً‭ ‬خاصاً،‭ ‬وتم‭ ‬تأهيل‭ ‬جامعه،‭ ‬الذي‭ ‬تخرّج‭ ‬منه‭ ‬شهداء‭ ‬وعلماء،‭ ‬شيد‭ ‬له‭ ‬سقفاً‭ ‬وقناطر،‭ ‬وتم‭ ‬تبليطه‭ ‬بطريقة‭ ‬فيها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الفن‭ ‬والذوق‭ ‬الرفيع،‭ ‬ليصبح‭ ‬هذا‭ ‬الحي‭ ‬من‭ ‬أجمل‭ ‬أحياء‭ ‬النبطية،‭ ‬حيث‭ ‬تنطلق‭ ‬منه‭ ‬المسيرات‭ ‬العاشورائية،‭ ‬وتقام‭ ‬في‭ ‬فسحاته‭ ‬موائد‭ ‬الإطعام‭ ‬على‭ ‬حب‭ ‬أهل‭ ‬البيتR‭ ‬في‭ ‬عاشوراء،‭ ‬وفي‭ ‬شهر‭ ‬رمضان،‭ ‬ومكان‭ ‬لاجتماع‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬الليالي‭ .‬
أكثر‭ ‬تلك‭ ‬الأمثلة‭ ‬وضوحاً‭ ‬هي‭ ‬حديقة‭ ‬السَّيدة‭ ‬المعصومة(ع)،‭ ‬فلهذه‭ ‬الحديقة‭ ‬شجون،‭ ‬ولها‭ ‬موقعها‭ ‬الخاص‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬المهندس‭ ‬حسام،‭ ‬أحدث‭ ‬تحولاً‭ ‬كبيراً،‭ ‬ونتيجة‭ ‬ملموسة،‭ ‬فالناس‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬الترفيه،‭ ‬أصبحت‭ ‬هي‭ ‬المتنفس‭ ‬الحقيقي‭ ‬والوحيد‭ ‬لهم،‭ ‬حيث‭ ‬يوجد‭ ‬مساحة‭ ‬خضراء‭ ‬جميلة،‭ ‬وأماكن‭ ‬متعددة‭ ‬للعائلات،‭ ‬وللأطفال‭ ‬مرتع‭ ‬للَّهو‭ ‬والفرح‭. ‬مساحتها‭ ‬حوالي‭ ‬8‭ ‬دنم،‭ ‬كانت‭ ‬موصولة‭ ‬في‭ ‬قلبه،‭ ‬صنعها‭ ‬من‭ ‬ماء‭ ‬حبه،‭ ‬مجبولة‭ ‬بتعاطفه‭ ‬مع‭ ‬فقراء‭ ‬المدينة‭ ‬ومستضعفيها‭ ‬الذين‭ ‬ضاقت‭ ‬دنياهم‭ ‬عن‭ ‬أماكن‭ ‬الترفيه،‭ ‬صنعها‭ ‬في‭ ‬ذهنه‭ ‬وخياله‭ ‬بكل‭ ‬هذا‭ ‬الفن‭ ‬الراقي‭ ‬والذوق‭ ‬الرفيع،‭ ‬وربطها‭ ‬بإيمانه‭ ‬وحبه‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬الى‭ ‬الارض،‭ ‬كانت‭ ‬تقر‭ ‬الاسماء‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬كل‭ ‬مشروع،‭ ‬تقترح‭ ‬الأسماء‭ ‬وتناقش،‭ ‬ثم‭ ‬تثبت،‭ ‬وللإسم‭ ‬دلالة‭ ‬تتعلق‭ ‬بالمكان‭ ‬وتاريخه،‭ ‬بالناس،‭ ‬بالمحيط،‭ ‬عند‭ ‬البدء‭ ‬بالعمل‭ ‬على‭ ‬الحديقة،‭ ‬فكَّرنا‭ ‬بالاسم‭ ‬كعادتنا،‭ ‬ووضعنا‭ ‬خيارات‭ ‬عديدة،‭ ‬ومقترحات‭ ‬لتقديمها‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬الجلسات،‭ ‬حين‭ ‬وصل‭ ‬الى‭ ‬موضوع‭ ‬الحديقة،‭ ‬قلت‭:‬
‭ - ‬بالنسبة‭ ‬الى‭ ‬أسم‭ ‬الحديقة‭ ‬هناك‭ ‬عدد‭ ‬من‭..‬
قال‭ ‬المهندس‭ ‬حسام‭ ‬بلا‭ ‬تردد‭:‬
‭ - ‬حديقة‭ ‬السيدة‭ ‬المعصومة(ع)‭.‬
كان‭ ‬الاسم‭ ‬قد‭ ‬صنع‭ ‬في‭ ‬قلبه‭ ‬مع‭ ‬الحديقة‭ ‬وتفاصيلها،‭ ‬نطق‭ ‬بالاسم‭ ‬وكأنه‭ ‬موجود،‭ ‬ومنذ‭ ‬البداية،‭ ‬اسم‭ ‬تلك‭ ‬السيدة‭ ‬كان‭ ‬يعني‭ ‬الكثير‭ ‬بالنسبة‭ ‬للمهندس‭ ‬حسام،‭ ‬نطقه‭ ‬بحب‭ ‬وشغف‭ ‬كما‭ ‬تنطق‭ ‬أجمل‭ ‬الاسماء،‭ ‬كانت‭ ‬التسمية‭ ‬بالنسبة‭ ‬لنا‭ ‬غريبة‭ ‬بعض‭ ‬الشيء،‭ ‬ثم‭ ‬اعتدنا‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬كأن‭ ‬لا‭ ‬إسم‭ ‬يصلح‭ ‬لهذه‭ ‬الحديقة‭ ‬سواه،‭ ‬وبقيت‭ ‬الحديقة‭ ‬باسمها‭ ‬هذا‭ ‬تشكل‭ ‬هاجساً‭ ‬لدى‭ ‬المهندس‭ ‬حسام،‭ ‬تأخر‭ ‬إنجازها‭ ‬لظروف‭ ‬عديدة،‭ ‬وكانت‭ ‬هي‭ ‬أول‭ ‬الاسئلة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬اتصال‭:‬
‭ - ‬أين‭ ‬أصبحت‭ ‬حديقة‭ ‬المعصومة‭ ‬(ع)؟‭ ‬
وسط‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الانشغال،‭ ‬وازدحام‭ ‬المشاريع،‭ ‬يعاتب،‭ ‬ويحرض‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬اتمامها،‭ ‬ثم‭ ‬يقول‭:‬
‭ - ‬رجاء‭ ‬اهتموا‭ ‬بحديقة‭ ‬بنت‭ ‬الإمام‭ ‬(ع)‭.‬
كان‭ ‬حريصاً‭ ‬جداً‭ ‬على‭ ‬إنجازها‭ ‬بأسرع‭ ‬وقت‭ ‬ممكن،‭ ‬يلح‭ ‬ويتصل‭ ‬ويسأل‭: ‬
‭ - ‬لماذا‭ ‬لم‭ ‬ينجز‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭... ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تنجز‭.. ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬توضع‭ ‬الآرمة‭.‬
يريد‭ ‬أن‭ ‬يوضع‭ ‬الاسم‭ ‬على‭ ‬مدخلها،‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يثبت‭ ‬هذا‭ ‬الاسم‭ ‬ويطمئن‭ ‬عليه،‭ ‬ليؤكد‭ ‬بأنها‭ ‬حديقة‭ ‬السيدة‭ ‬المعصومة(ع)‭. ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬أمور‭ ‬غير‭ ‬مكتملة‭ ‬للأسف،‭ ‬وحين‭ ‬اكتملت،‭ ‬وأردنا‭ ‬افتتاح‭ ‬الحديقة،‭ ‬جلسنا‭ ‬نبكي‭ ‬غيابه‭ ‬الموجع،‭ ‬ونحن‭ ‬ننظر‭ ‬إليها‭ ‬باسمها‭ ‬الذي‭ ‬يزين‭ ‬مدخلها،‭ ‬وقد‭ ‬اكتملت‭ ‬كما‭ ‬أراد‭. ‬
افتتحنا‭ ‬الحديقة‭ ‬بعد‭ ‬استشهاد‭ ‬المهندس‭ ‬حسام،‭ ‬ورأيناه‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬فيها،‭ ‬حيث‭ ‬برزت‭ ‬خبرته‭ ‬الهندسية‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬نوع‭ ‬البلاط‭ ‬وشكله،‭ ‬رأيناه‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬يعطي‭ ‬رايه‭ ‬بنوعية‭ ‬الحجر،‭ ‬وشكل‭ ‬القناطر،‭ ‬في‭ ‬الممرات‭ ‬الضيقة‭ ‬لصالح‭ ‬المساحات‭ ‬الخضراء‭. ‬لتكون‭ ‬الحديقة‭ ‬هي‭ ‬واسمها‭ ‬رمزاً‭ ‬لحضوره‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يغيب‭. ‬