img

وَجَاءَ‭ ‬مِنْ‭ ‬أَقْصَىَ‭ ‬المَدِيْنَةِ‭ ‬رَجُلٌ‭ ‬يَسْعَىَ

لتحميل الكتاب

باب‭ ‬على‭ ‬القلب


في‭ ‬حفل‭ ‬خطابي‭ ‬لسماحة‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬لحزب‭ ‬الله،‭ ‬وفي‭ ‬مناسبة‭ ‬الإفراج‭ ‬عن‭ ‬المجاهد‭ ‬الأسير‭ ‬سامي‭ ‬شهاب،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬سجن‭ ‬مصر‭ ‬زمن‭ ‬حسني‭ ‬مبارك،‭ ‬وصل‭ ‬المجاهد‭ ‬المحرر‭ ‬الى‭ ‬منصة‭ ‬الاحتفال،‭ ‬وألقى‭ ‬التحية‭ ‬على‭ ‬الحاضرين‭ ‬جميعاً،‭ ‬وكان‭ ‬بين‭ ‬الحضور‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الشخصيات‭ ‬الهامة،‭ ‬من‭ ‬وزراء‭ ‬ونواب‭ ‬وأصحاب‭ ‬شأن،‭ ‬ومنهم‭ ‬المهندس‭ ‬حسام،‭ ‬وكان‭ ‬عددهم‭ ‬يقارب‭ ‬الثلاثين‭ ‬شخصية،‭ ‬نزل‭ ‬الأسير‭ ‬المحرر‭ ‬ليسلم‭ ‬عليهم‭ ‬واحداً‭ ‬بعد‭ ‬واحد،‭ ‬كان‭ ‬يقبلهم‭ ‬ويقبلونه‭ ‬في‭ ‬جو‭ ‬من‭ ‬البهجة‭ ‬والسرور،‭ ‬وحين‭ ‬وصل‭ ‬الى‭ ‬المهندس‭ ‬حسام‭ ‬مدَّ‭ ‬يده‭ ‬وأراد‭ ‬احتضانه،‭ ‬فإذا‭ ‬بالمهندس‭ ‬حسام‭ ‬ينحني‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬اليد،‭ ‬ويقبلها‭ ‬أمام‭ ‬الجميع،‭ ‬هو‭ ‬وحده‭ ‬بين‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الحشود‭ ‬فعل‭ ‬ذلك‭ ‬وسط‭ ‬دهشتهم‭ ‬واستغرابهم‭.‬
في‭ ‬بعض‭ ‬الجولات‭ ‬الميدانية‭ ‬كان‭ ‬يدلني‭ ‬على‭ ‬منازل‭ ‬الشهداء‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬قرية‭ ‬أو‭ ‬مكان‭ ‬نذهب‭ ‬إليه،‭ ‬ويقول‭ ‬لي‭ ‬متفاخراً‭ ‬سعيداً‭: ‬جلسنا‭ ‬مع‭ ‬أم‭ ‬الشهيد‭ ‬فلان‭ ‬وحدثتني‭ ‬عن‭ ‬كذا‭ ‬وكذا،‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬سبب‭ ‬عملي‭ ‬كان‭ ‬يطلب‭ ‬زيارتهم‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬عمل‭ ‬معهم‭ ‬له‭ ‬علاقة‭ ‬بالهيئة،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬وقته‭ ‬المزدحم‭ ‬بالعمل‭ ‬والمواعيد‭. ‬
كان‭ ‬حريصاً‭ ‬على‭ ‬زيارة‭ ‬مواقع‭ ‬المجاهدين،‭ ‬يسأل‭ ‬عن‭ ‬تفاصيل‭ ‬العمليات‭ ‬الجهادية‭ ‬التي‭ ‬تمت،‭ ‬ويصغي‭ ‬بانتباه‭ ‬شديد،‭ ‬حريصاً‭ ‬على‭ ‬فهمها،‭ ‬وفهم‭ ‬كل‭ ‬تفصيل‭ ‬فيها،‭ ‬وعلى‭ ‬وجهه‭ ‬ترى‭ ‬هذا‭ ‬الأثر‭ ‬الخاص‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬تراه‭ ‬على‭ ‬غيره‭.‬
وينظر‭ ‬إلى‭ ‬آثار‭ ‬الشهداء‭ ‬بالكثير‭ ‬من‭ ‬التقديس‭ ‬والاحترام،‭ ‬واهتمامه‭ ‬الخاص‭ ‬بعائلاتهم،‭ ‬اهتمامٌ‭ ‬غريبٌ‭ ‬يقارب‭ ‬اهتمام‭ ‬الشخص‭ ‬بعائلته،‭ ‬يتواصل‭ ‬معهم‭ ‬ويزورهم‭ ‬من‭ ‬الكبير‭ ‬إلى‭ ‬الصغير،‭ ‬ينحني‭ ‬ويقبل‭ ‬أياديهم،‭ ‬وينسى‭ ‬عندهم‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬ومقام،‭ ‬ويتحول‭ ‬بين‭ ‬أيديهم‭ ‬إلى‭ ‬خادم‭ ‬محب‭ ‬مطيع‭.‬
لفلسطين‭ ‬باب‭ ‬مفتوح‭ ‬على‭ ‬مصراعيه‭ ‬باتجاه‭ ‬القلب،‭ ‬كيف‭ ‬لا‭ ‬وهي‭ ‬ساحة‭ ‬الجهاد‭ ‬الأولى،‭ ‬اختار‭ ‬أكثر‭ ‬المناطق‭ ‬قربا‭ ‬من‭ ‬فلسطين‭ ‬لينشئ‭ ‬فيه‭ ‬معلماً‭ ‬سياحياً،‭ ‬وأراد‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬شعبياً‭ ‬أيضاً،‭ ‬فاختار‭ ‬مارون‭ ‬الرأس،‭ ‬وغيرها،‭ ‬مثل‭ ‬بوابة‭ ‬فاطمة،‭ ‬اهتمامه‭ ‬بحديقة‭ ‬مارون‭ ‬الراس‭ ‬كان‭ ‬كبيراً‭ ‬جداً،‭ ‬لأنها‭ ‬منطقة‭ ‬مرتفعة‭ ‬ومطلة‭ ‬تماماً‭ ‬على‭ ‬الحدود،‭ ‬حتى‭ ‬يأتي‭ ‬الناس‭ ‬إليها‭ ‬ويُشعروا‭ ‬الصهاينة‭ ‬بالهزيمة‭ ‬والذل،‭ ‬وأن‭ ‬شعب‭ ‬المقاومة‭ ‬يتحداهم،‭ ‬ولا‭ ‬يهابهم،‭ ‬فالشهيد‭ ‬حسام‭ ‬يحب‭ ‬أن‭ ‬يتحداهم،‭ ‬ويحب‭ ‬أن‭ ‬يُشعرهم‭ ‬بالضعف‭ ‬والجبن‭. ‬عندما‭ ‬يزور‭ ‬مارون‭ ‬الراس‭ ‬لمتابعة‭ ‬العمل‭ ‬والإشراف،‭ ‬كان‭ ‬يقف‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬مرتفع‭ ‬ويطيل‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬الجنود‭ ‬الإسرائيليين،‭ ‬ليريهم‭ ‬أنهم‭ ‬لا‭ ‬يستطيعون‭ ‬القيام‭ ‬بشيء‭. ‬
منهجية‭ ‬العمل‭ ‬كانت‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬إصلاح‭ ‬الطرقات‭ ‬الأكثر‭ ‬تضرراً‭ ‬من‭ ‬جراء‭ ‬الحرب،‭ ‬والتي‭ ‬تشهد‭ ‬حركة‭ ‬سير‭ ‬كبيرة،‭ ‬ففي‭ ‬البداية‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مقررا‭ ‬إصلاح‭ ‬طريق‭ ‬الناقورة،‭ ‬وطريق‭ ‬مرجعيون،‭ ‬لأنهما‭ ‬لم‭ ‬تكونا‭ ‬متضررتين‭ ‬كثيراً،‭ ‬والمنطقة‭ ‬محاذية‭ ‬للحدود،‭ ‬أي‭ ‬لا‭ ‬تشهد‭ ‬حركة‭ ‬مرور‭ ‬كثيفة،‭ ‬لكن‭ ‬المهندس‭ ‬حسام‭ ‬أصر‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬إصلاح‭ ‬هذه‭ ‬الطرق،‭ ‬لأنها‭ ‬كانت‭ ‬أمام‭ ‬نظر‭ ‬العدو،‭ ‬يريد‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬سالكة،‭ ‬سهلة،‭ ‬وجميلة،‭ ‬ويرى‭ ‬العدو‭ ‬ذلك،‭ ‬وكان‭ ‬يباشر‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬إصلاح‭ ‬هذه‭ ‬الطرق‭ ‬بنفسه‭ ‬اكثر‭ ‬من‭ ‬سواها،‭ ‬يتواجد‭ ‬هناك‭ ‬كثيراً،‭ ‬ويعمل‭ ‬بحماس،‭ ‬وعينه‭ ‬على‭ ‬فلسطين،‭ ‬يحب‭ ‬العمل‭ ‬أمام‭ ‬عين‭ ‬العدو،‭ ‬ليُظهر‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬شعب‭ ‬المقاومة‭ ‬مستمر‭ ‬في‭ ‬الحياة،‭ ‬وقادر‭ ‬على‭ ‬صنع‭ ‬المستحيل‭.‬