img

وَجَاءَ‭ ‬مِنْ‭ ‬أَقْصَىَ‭ ‬المَدِيْنَةِ‭ ‬رَجُلٌ‭ ‬يَسْعَىَ

لتحميل الكتاب

رجل‭ ‬ذو‭ ‬طمع


هو‭ ‬رمز‭ ‬للإنسان‭ ‬الزاهد‭ ‬العابد‭ ‬المتواضع،‭ ‬كان‭ ‬تواضعه‭ ‬يظهر‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬لباسه،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تعاطيه‭ ‬مع‭ ‬الآخرين،‭ ‬وطريقة‭ ‬تعامله‭ ‬معهم،‭ ‬فهو‭ ‬يعاملك‭ ‬في‭ ‬اي‭ ‬مكان‭ ‬يلتقيك‭ ‬وكأنك‭ ‬في‭ ‬بيته‭ ‬دائما،‭ ‬،‭ ‬يقوم‭ ‬بضيافتك‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬أنه‭ ‬إذا‭ ‬صادف‭ ‬وجودك‭ ‬عنده‭ ‬وهو‭ ‬يحمل‭ ‬كوب‭ ‬شاي‭ ‬يقوم‭ ‬بتقديمه‭ ‬إليك،‭ ‬أما‭ ‬إذا‭ ‬كنت‭ ‬متواجداً‭ ‬عنده‭ ‬وقت‭ ‬الغداء‭ ‬فلا‭ ‬يدعك‭ ‬تغادر‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تشاركه‭ ‬الطعام،‭ ‬وبإلحاح‭ ‬يجعلك‭ ‬تخجل‭ ‬من‭ ‬رفض‭ ‬كرمه‭.‬
لقد‭ ‬سبقني‭ ‬الشهيد‭ ‬حسام‭ ‬إلى‭ ‬الحج‭ ‬بأربعة‭ ‬ايام،‭ ‬وعندما‭ ‬لحقت‭ ‬به،‭ ‬كنت‭ ‬تواقاً‭ ‬إلى‭ ‬لقائه،‭ ‬وفور‭ ‬وصولي‭ ‬إلى‭ ‬هناك‭ ‬بادرت‭ ‬للسؤال‭ ‬عنه،‭ ‬لم‭ ‬أجده‭ ‬بسهولة،‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬مشغولاً،‭ ‬وعندها‭ ‬علمت‭ ‬أن‭ ‬معه‭ ‬25‭ ‬حاجاً‭ ‬ايرانياً،‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬خدمتهم،‭ ‬مسخِّراً‭ ‬نفسه‭ ‬لهم‭ ‬بالكامل،‭ ‬حيث‭ ‬يقوم‭ ‬بتلبية‭ ‬جميع‭ ‬طلباتهم،‭ ‬وعندما‭ ‬سألته‭ ‬عن‭ ‬سبب‭ ‬القيام‭ ‬بخدمتهم‭ ‬طوال‭ ‬الوقت،‭ ‬أجابني‭ ‬قائلا‭:‬
‭ - ‬من‭ ‬هؤلاء‭ ‬أستطيع‭ ‬أن‭ ‬أكسب‭ ‬الكثير‭... ‬فأنا‭ ‬رجل‭ ‬ذو‭ ‬طمع‭.. ‬أريد‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأجر‭.‬
وجهه‭ ‬دائم‭ ‬البشر،‭ ‬لا‭ ‬تمل‭ ‬من‭ ‬النظر‭ ‬إليه،‭ ‬فالابتسامة‭ ‬لا‭ ‬تفارقه‭ ‬أبداً،‭ ‬عندما‭ ‬يذهب‭ ‬الحجيج‭ ‬لأداء‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬العبادات،‭ ‬يكون‭ ‬هو‭ ‬منهمكاً‭ ‬بتأمين‭ ‬طلبات‭ ‬الوفد‭ ‬الذي‭ ‬يرافقه،‭ ‬ونحن‭ ‬كنا‭ ‬نريد‭ ‬اللحاق‭ ‬بالحجيج،‭ ‬ولكننا‭ ‬كنا‭ ‬نشعر‭ ‬بالخجل‭ ‬منه،‭ ‬اذ‭ ‬كيف‭ ‬نتركه‭ ‬ونلتحق‭ ‬بهم،‭ ‬ولكنه‭ ‬كان‭ ‬يدفعنا‭ ‬إلى‭ ‬تركه‭ ‬دفعاً،‭ ‬طالباً‭ ‬إلينا‭ ‬الدعاء‭ ‬له‭. ‬هكذا‭ ‬كان‭ ‬طوال‭ ‬وقت‭ ‬الحج،‭ ‬وحتى‭ ‬عند‭ ‬عودتنا‭ ‬من‭ ‬الحج،‭ ‬وحين‭ ‬كنا‭ ‬في‭ ‬الطائرة‭ ‬قام‭ ‬من‭ ‬مقعده‭ ‬وأجلس‭ ‬شخصاً‭ ‬آخر،‭ ‬وجلس‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬الطائرة‭ ‬على‭ ‬كرسي‭ ‬للمضيفة‭ ‬بجانب‭ ‬الحمام‭.‬
عند‭ ‬زيارتي‭ ‬إلى‭ ‬ايران‭ ‬أنا‭ ‬وعائلتي،‭ ‬كانت‭ ‬المرة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬تلتقي‭ ‬به‭ ‬عائلتي،‭ ‬أذهلها‭ ‬بتصرفه‭ ‬وحسن‭ ‬أخلاقه،‭ ‬كان‭ ‬مكرساً‭ ‬نفسه‭ ‬لخدمة‭ ‬من‭ ‬معه،‭ ‬حيث‭ ‬تجده‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬لحظة‭ ‬في‭ ‬خدمتك،‭ ‬ولا‭ ‬يقبل‭ ‬الشكر‭ ‬من‭ ‬أحد،‭ ‬فهذا‭ ‬يزعجه‭ ‬ويحزنه،‭ ‬ويعتبر‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬تجاه‭ ‬الآخرين‭ ‬هو‭ ‬واجب،‭ ‬ويسعى‭ ‬سعي‭ ‬الذي‭ ‬يخاف‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يقصّر‭ ‬فيه،‭ ‬يسعى‭ ‬دائما‭ ‬لراحتك،‭ ‬كأنك‭ ‬أنت‭ ‬هدفه،‭ ‬حيث‭ ‬يستغل‭ ‬كل‭ ‬الأوقات‭ ‬للاستفادة‭ ‬منها‭ ‬لخدمة‭ ‬من‭ ‬معه،‭ ‬ويحاول‭ ‬إعطاء‭ ‬الآخرين‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬لديه‭.‬
عندما‭ ‬كنا‭ ‬نتكلم‭ ‬عن‭ ‬الشهادة،‭ ‬كان‭ ‬المهندس‭ ‬حسام‭ ‬يسترسل‭ ‬في‭ ‬حديثه،‭ ‬يتحدث‭ ‬بشغف‭ ‬وتتغير‭ ‬ملامح‭ ‬وجهه،‭ ‬كمن‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬أمر‭ ‬يعشقه،‭ ‬كنا‭ ‬نشعر‭ ‬بهذا‭ ‬الشوق‭ ‬في‭ ‬عينيه،‭ ‬وفي‭ ‬صوته‭ ‬وكلماته،‭ ‬وكأنه‭ ‬كان‭ ‬يشعر‭ ‬بحرارة‭ ‬الشوق‭ ‬للقاء‭ ‬ربه‭. ‬لقد‭ ‬شعر‭ ‬المهندس‭ ‬حسام‭ ‬باقتراب‭ ‬هذا‭ ‬اللقاء،‭ ‬لقد‭ ‬بدا‭ ‬سعيداً‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬حيث‭ ‬قام‭ ‬قُبيل‭ ‬استشهاده‭ ‬بإقفال‭ ‬كل‭ ‬الملفات‭ ‬وإنهائها،‭ ‬وكان‭ ‬يطلب‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬شخص‭ ‬يعمل‭ ‬معه‭ ‬أن‭ ‬ينهي‭ ‬هذا‭ ‬الملف‭ ‬وذاك‭.‬