img

وَجَاءَ‭ ‬مِنْ‭ ‬أَقْصَىَ‭ ‬المَدِيْنَةِ‭ ‬رَجُلٌ‭ ‬يَسْعَىَ

لتحميل الكتاب

الإيرانيون ينجزون مشاريع لإعادة الإعمار بكلفة تسعة بالمئة من التقديرات

جريدة السفير - 31/1/2008

أي مساعدة تقدمها إيران للبنان تكون عادة مثيرة للجدل، مهما كانت إيجابية، كون إيران تساند وتدعم «حزب الله»، ولذلك، لم يكن مفاجئا أن تضع حكومة الرئيس فؤاد السنيورة شروطا على المساعدة الإيرانية بعد «حرب تموز»، ولكن تدريجيا، بدأت الحكومة تقبل بهذه المساعدات كأمر واقع؟
كان العرض الايراني كبير الأهمية، كما يوضح مدير الهيئة الايرانية للمساهمة في إعمار لبنان المهندس حسام خوش نويس، وهو يقضي بتولي إعادة بناء كل ما دمرته الحرب من مؤسسات وطرقات وجسور ومجار، أي كل ما يخص المواطنين من بنى حيوية، باستثناء المنازل التي كانت الحكومة تعد لها آلية تعويضات خاصة.
يقول نويس إنه بعد انتهاء الحرب جاء إلى لبنان وفد برئاسة مساعد رئيس الجمهورية الايرانية سعيد لو، يرافقه وزيرا الصحة والطاقة ووزير عمل الطوارئ وعرض الوفد المساعدات الايرانية خلال لقاءات عقدها مع رئيس الجمهورية السابق إميل لحود ورئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس فؤاد السنيورة. لكن رئيس الحكومة طلب أن تدفع إيران أموالا وتضعها في حساب الدولة في مصرف لبنان المركزي، على أن تقوم الحكومة بتنفيذ المشاريع، فرد رئيس الوفد قائلا إن تقديم الأموال من أسهل الأمور، لكن المسألة هي في إعادة بناء مؤسسات ومرافق حيوية دمرتها الحرب، وأوضح أن الحكومة الايرانية تفضل تولي العمل مباشرة لأن لدى الايرانيين تجربة في كيفية إعادة البناء السريع، لأن إيران شهدت حربا طويلة مع العراق وتشهد زلازل ونكبات طبيعية وسيولا، مبديا الاستعداد لوضع تلك الخبرة في تصرف اللبنانيين.
ويتابع أن مفاوضات صعبة جرت مع الرئيس السنيورة قال فيها أنتم جئتم لمساعدة حزب الله لا لمساعدتنا، مع العلم أن المشاريع تطال كل المناطق، ولدى سؤاله عندها لو دمرت الحرب مناطق غير الجنوب والضاحية هل كنتم ستساعدون بالطريقة نفسها؟ فيجيب من دون تردد: طبعا، نحن نعتبر أن إسرائيل ظلمت الشعب اللبناني بأجمعه، ولا تفريق لدينا بين منطقة وأخرى، وتلك هي رؤية الجمهورية الايرانية للبنانيين وليست رؤية خاصة، مشيرا إلى أن المساعدات الايرانية للبنان بدأت منذ مطلع الثورة في العام 1979.
جاء خوش نويس الى لبنان مفوضا مباشرا من الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد، فهو يعمل في مكتبه ولديه صلاحيات مالية وإدارية كاملة، ويقدم تقارير عن عمله الى الرئيس مباشرة.

كلفة أقل وجودة أعلى
تبين أن المشاريع المتبقية عن الدول المانحة كثيرة يقوم بتنفيذها عدد من المتعهدين والمقاولين اللبنانيين، بإشراف خبراء إيرانيين، لمراقبة الجودة في التنفيذ.
لم يشأ خوش نويس الإفصاح عن الميزانية التي وضعت حتى الآن، لأن المسألة ليست في الاستعراض المالي، وإنما في تنفيذ مشاريع بمواصفات جيدة، لكنه أفصح أن نسبة الكلفة التي دفعتها إيران على المشاريع، بلغت تسعة بالمئة فقط من الكلفة الرسمية المقدرة، وأورد مثلا على ذلك عندما قال إن الكلفة الرسمية التي قدرت لدراسة وإشغال وتجهيز جسر أبو الاسود بلغت مليون دولار، وذلك الرقم منشور في المجلة الدورية التي ينشرها مجلس الانماء والاعمار عدد ايلول الماضي، بينما بلغت كلفة بناء الجسر الحقيقية ثمانية وتسعين ألف دولار، ويعود السبب الرئيسي في ذلك إلى اعتماد الهيئة الايرانية متعهدين يقومون بتنفيذ الاعمال مباشرة وليس عبر تلزيمها إلى متعهدين آخرين، ويسأل هنا أيهما أهم: الميزانية، أم كيفية بناء الجسر؟ ويلاحظ أنه يجري هدر أموال كثيرة في مشاريع البناء التي تقدر بأكلاف عالية، قائلا: حسب علمي جرى تقديم مساعدات مالية إلى لبنان تفوق قيمتها كلفة ما دمرته الحرب، ولو قامت الحكومة بإدارة مشاريع إعادة البناء، ضمن جدول واضح، لتحول لبنان إلى جنة.
وأوضح أن هناك مقاولين أبدوا احتجاجهم، لدى رؤيتهم كيفية إعادة تأهيل الطرقات والجسور التي توليناها قائلين: لو أهلنا الطرقات على طريقتكم فسوف نعيش عاطلين عن العمل، لأننا نعبد الطرقات كل عامين تقريبا، بينما طريقتكم تجعلها صالحة لسنوات عدة.

المشاريع معلنة بتأكيد رسمي
يرد خوش على ما يقال بأن الهيئة الايرانية لمشروع الاعمار تشق طرقات وتعبدها في الجنوب من دون أن تدري بها الحكومة، ويعتبر أن ذلك مجرد رأي لأن الهيئة تحصل على تراخيص لدى الجهات المعنية بكل المشاريع التي نقوم بها، سواء من الوزارات المختصة أو البلديات، ويوضح أن الهيئة قدمت لوائح تفصيلية مرفقة بالخرائط إلى كل من وزارة الأشغال ومجلس الانماء والاعمار، ويفتح ملف الاعمار الذي بين يديه مشيرا الى الجداول التي تتضمن الطرقات والقرى الموجودة فيها.
من جهته، يوضح مصدر في وزارة الأشغال أن الوزارة تحصل على اللوائح الخاصة بالمشاريع الايرانية من رئاسة الحكومة، مثل باقي الدول المانحة، بينما أوضح مستشار رئيس الحكومة في ملف الاعمار غسان طاهر أن الهيئة الايرانية تقدم لوائح بمشاريعها إلى الوزارات المختصة ومجلس الانماء والاعمار، وأكد مجلس الانماء والاعمار من جهته تقديم الهيئة لوائح بالمشاريع التي تقوم بها.

قصة المفاوضات بين الوفد الإيراني والجيش لنزع الألغام
المسألة الثانية الهامة التي تناولها خوش نويس هي إبداء الوفد الايراني الاستعداد للمشاركة في نزع الالغام والقنابل التي زرعتها إسرائيل، قبل خروجها في حرب تموز، ويقول إن الهيئة توصلت إلى اتفاق مع ممثلين عن الجيش اللبناني لنزع الالغام والقنابل من مساحة تقدر بعشرة ملايين م,2 لكن لم يتم تنفيذ الاتفاق.
ويبدو أن تلك المسألة أثارت التباسا بين الوفد الايراني وبين الجيش، الأمر الذي تتطلب إعادة توضيحها من الطرفين.
يقول خوش نويس إن الاتصال الأول الخاص بنزع الالغام جرى مع مستشار رئيس الحكومة غسان طاهر الذي أبلغ الوفد الايراني بأن ذلك الموضوع مرتبط بالجيش، وطلب منه الاتصال برئيس المركز اللبناني للاعمال المتعلقة بنزع الالغام العقيد محمد فهمي، ولدى لقاء الوفد مع فهمي حدد له منطقتين سميتا حسب ترقيم الجيش للمناطق التي تخضع لنزع الالغام بالمنطقتين رقم 7 و8 . تمتد المنطقة رقم سبعة من باتولاي إلى القليلة، والمنطقة رقم ثمانية من دردغيا إلى الشهابية، ومن دبعال إلى يانوح وطورا.
يضيف أن مراسلات جرت مع ممثلي الجيش بتاريخ الخامس والعشرين من كانون الأول العام 2006 ثم في الثامن والعشرين من الشهر نفسه، وتم التوضيح لهم أن جمعيات أهلية إيرانية متخصصة بعمليات نزع الالغام سوف تقوم بالمهمة، لكي لا يقال إن خبراء عسكريين إيرانيين قدموا إلى الجنوب، وتوقفت الاتصالات عند ذلك الحد.
ويوضح مصدر مأذون له في قيادة الجيش اللبناني أن أول لقاء جرى مع الوفد الايراني كان في شباط العام ,2007 وشارك فيه الملحق العسكري الايراني العميد نادر حليمة والمهندس خوش نويس، وتناول إمكان مشاركة إيران في عملية نزع الالغام أو في برامج التوعية على مخاطر الالغام أو مساعدة ضحايا الالغام، وقد جرى اللقاء بموافقة قيادة الجيش وتم خلاله شكر الوفد على المساعدات التي تقدمها إيران في عملية إعادة البناء، والطلب منه الإسراع في تقديم جواب على موضوع نزع الالغام. لكن الجواب الايراني تأخر حتى شهر أيار، أي بعد مرور ما يقارب الثلاثة أشهر على اللقاء.
يضيف المصدر، جاءت في تلك الأثناء جمعية دنماركية وقدمت عرضا بإرسال سبع فرق للمساعدة في نزع الألغام، وكان قد سبقتها فرق أجنبية عديدة، فوصل عدد الفرق التي تقوم بعمليات نزع الالغام في الجنوب إلى مئة فرقة، ولم تعد هناك مساحات جغرافية فارغة لعمل المزيد من الفرق، ويضيف: لم يكن معقولا عندها أن نلغي اتفاقنا مع الفرق الدنماركية، فشكرنا الوفد الايراني على عرضه وطلبنا منه المساعدة في ترميم أحد المباني في ثكنة الجيش في النبطية، فطلب خرائط بالمبنى، قدمناها له، وذلك دليل ثقة لدينا وقبول بالمساعدات الايرانية، ونحن نعرف ما هي المساعدات التي قدمتها. لكن لم يجر الرد على طلبنا حتى الآن.
ولدى سؤال المصدر المأذون له في قيادة الجيش ما إذا كانت الوفود التي تقوم بنزع الالغام في الجنوب كافية لنزع مليون ومئتي ألف لغم وقنبلة، حسب الاعلان الرسمي الاسرائيلي، يجيب أن المساحة الجغرافية التي زرعت فيها الالغام لم تعد تتسع للمزيد من الفرق، ولكن ذلك لا يمنع وقوع ضحايا جدد، مشيرا إلى أن عدد الضحايا في لبنان هو الأقل من بين الدول التي زرعت فيها الالغام، مثل كوسوفو، هذا مع العلم أنه ذهب حتى اليوم مئتان وستة وثلاثون شخصا ضحية الالغام، بينهم سبعة وعشرون شهيدا.
ويوضح هنا خوش نويس أن التأخير في الرد على الجيش يعود إلى انتظار انتهاء الجمعيات الايرانية من دراساتها الخاصة بنزع الالغام، مشيرا إلى أن هناك إمكانية لتصغير المساحات الجغرافية التي تستلمها الفرق، من أجل الاسراع في عملية نزع الالغام، وتلافي وقوع المزيد من الضحايا.

محطة لتوليد الطاقة مشروع قيد الدراسة
المسألة الثالثة التي جرى تناولها هي ما يشاع عن استعداد إيران لتزويد الضاحية والجنوب بمولدات للطاقة الكهربائية، ومحاذرة «حزب الله» القبول بها كي لا يقال إنه يبني دولته الخاصة.
يقول خوش نويس إنه لدى وصولنا إلى لبنان كانت الكهرباء مقطوعة فسلمت الهيئة ثلاثة وستين مولدا كهربائيا إلى ثلاث وستين بلدية، غالبيتها جنوب الليطاني، وتبلغ قدرة إنتاج كل منها مئتي كيلو واط وما فوق، وأجرت تمديدات خارجية لها وتم تقديم كميات من المازوت تكفي لمدة ثلاثة أشهر، وفي الضاحية جرى تقديم مولدات كهربائية لإنارة الشوارع في المنطقة المدمرة.
ويعلن أنه تجري حاليا دراسة إمكانية توليد الطاقة الكهربائية عبر المراوح الهوائية، لكن ذلك المشروع لا يزال قيد التجربة وهو صعب التنفيذ في الضاحية، ويصلح لقرى الجنوب والبقاع حيث الهواء.
كما يؤكد أن الهيئة قامت حتى الآن بعشرات الدراسات لحل مشكلة الكهرباء في الضاحية وتوصلت إلى دراسات على ثلاث مراحل:
الأولى سريعة وتأخذ بعين الاعتبار تدمير ما يقارب المئتين وخمسين مبنى، ومعها تدمير محولات الطاقة الكهربائية داخل المباني، مشيرا إلى قرار الهيئة بتأمين محولات لتلك المباني بعد الانتهاء من بنائها تدريجيا، لأن هناك حاليا مشكلة عدم وجود أماكن لوضعها.
الثانية هي إجراء دراسات بشأن توسيع وتجهيز محطة الحرش التي تغذي الضاحية بالكهرباء.
الثالثة هي كيفية بناء محطة كاملة لتوليد الطاقة الكهربائية خاصة بالضاحية، وتلك ليست من مهمة الهيئة الايرانية وإنما يجري بحثها بين الهيئات المعنية في وزارة الطاقة الايرانية وبين مسؤولين في شركة كهرباء لبنان.

جريدة السفير