بورتريه | حسام خوش نويس
■ نحن هنا خدمة لشعب المقاومة
■ فرح لأن ابني سيتزوج من لبنانية
يكرّم حزب الله، عند الرابعة من عصر اليوم، رئيس الهيئة الإيرانية لإعادة إعمار لبنان المهندس حسام خوش نويس في احتفال تأبيني يقام في المركز الثقافي لبلدية الغبيري. سيُحتفى بالرجل بسبب إنجازاته، فيما نذكره هنا إنساناً أحبّ لبنان ومقاومته
راجانا حمية
وحدهم، أبناء «حارته» اللبنانية يعرفون من هو الإيراني. يعرفونه مهندساً ورئيساً للهيئة الإيرانية للمساهمة في إعادة الإعمار بعد حرب مدمرة. يعرفونه إنساناً. يحمل اسماً كسائر البشر. لا يهم إن كان حقيقياً، أم لقباً جهادياً. ما كان يهم أنه «كان إنساناً مثلنا. يحبّ وقليلاً ما يكره». هكذا قال الملازمون له كظلّه في لبنان.
حسام خوش نويس أو حسن الشاطري. لا فرق. كان يمكن لحسام أن يأتي باسم حسن «ويبقى مهندساً متقناً لعمله»، يقول رئيس مجلس إدارة «مشروع وعد لإعادة الإعمار» حسن جشي.
عندما استشهد خوش نويس، أو نافيس كما يلفظ بالفارسية، غاص الكلّ في التحليل: من هو هذا الرجل؟ وماذا كان يفعل قائد في الحرس الثوري الإيراني في لبنان؟ ولمَ لم نستحق توضيحاً من الحكومة اللبنانية عن هويته؟ كل هذه الأسئلة سئلت. ولكن ماذا عنه كإنسان كانت له مساهمة كبيرة في إعادة إعمار مناطق كثيرة في لبنان؟
في 14 آب 2006. حضر خوش نويس إلى لبنان، رئيساً للهيئة الإيرانية لإعادة الإعمار في لبنان. جاء وحيداً. بلا عائلة. بمهمة خدماتية، كغيره من الآتين من دول مجاورة للمساعدة. لم يكن إنساناً غير عادي إطلاقاً. كانت له يومياته وحياته.
فور وصوله بدأ عمله. لم يعط جسده وقتاً للراحة. كان يكرّر دائماً «إننا هنا لخدمة شعب المقاومة»، يقول رفيقه المهندس حسن حجازي. ولأجل ذلك، كان يقضي 18 ساعة في العمل، يومياً.
لا يحب هذا الرجل «شغلة المكاتب». كان المكتب ملجأه الأخير ليلاً للتفرغ لخرائط اليوم التالي ودفتر مذكراته، سينهيه مع الفجر نائماً على الكرسي أو «في الغرفة المجاورة التي صارت بيته»، يتابع حجازي. في الساعات الطويلة تلك، كان خوش نويس يتنقل بين المناطق التي تعمل فيها الهيئة «وفي اليوم نفسه، كان يجول في لبنان من الجنوب إلى الهرمل إلى الشمال، وعندما يعود ليلاً لا ينام».
في إحدى المرات، بقي مستيقظاً حتى الخامسة فجراً. وكان يساعده شابان في حينها، عباس قطايا، المسؤول الإعلامي في الهيئة، ودانيال علوية. يتذكر قطايا أنه نعس مع ساعات الفجر الأولى، ولكنه لم يكن قادراً وصديقه على الرحيل وترك خوش نويس وحيداً. بقيا منتظرين، حتى دخل ليصلي صلاة الفجر. عندها، هربا. وما كادا يصلان إلى البيت، حتى رنّ الهاتف وسمعه يقول له «شباب ارجع نصف ساعة بس».
على عكس الكثيرين، لم يكن الليل بالنسبة إليه للنوم. فقد كان «يكبو» عندما يعود من تجواله أو بعد صلاة الصبح. يستغرب المقرّبون منه كيف يعود ويستيقظ في اليوم التالي على هذا القدر من النشاط. فهو لم يستيقظ يوماً متأخراً عن اليوم الذي سبقه، كما أنه لم يتمسك ببعض العادات. يذكر قطايا أنه كان يصل صباحاً إلى مكتبه مع الترويقة، «التي كانت نفسها كل يوم: جبن وجوز وبعدها كوب الشاي مع التمر». أما في السيارة «فكان ينقطع عنا نهائياً أول ثلاثة أرباع الساعة، يستمع إلى القرآن ويرتله في الوقت نفسه». لا مكان للأحاديث الجانبية في حياته. مرتين حكى. في المرة الأولى، عندما لم يوافق رئيس الحكومة فؤاد السنيورة على السماح له بنزع الألغام. في تلك المرة، ظهر خوش نويس الهادئ بالمظهر الذي لا يشبهه «عصبي، وقد كانت هي تلك المرة الأولى التي تحدث فيها عن علاقته السيئة بالسنيورة»، يقول حجازي. والمرة الثانية كانت عن سرّ سعادته، التي كانت مفرطة في حينها. يومها، قال لحجازي «أنا فرح»، منتظراً من الأخير أن يسأله لماذا. وعندما سأله، قال له «ابني سيتزوج لبنانية». أحب «الشي الغريب في لبنان»، كما قال في إحدى المرات. ولكن، ليس لأن اسمه لبنان، بل «لأن فيه المقاومة». ويتذكر قطايا عنه أنه لم «يكن يمر أسبوع إلا ويطلب زيارة عائلة شهيد»، ودفتر المواعيد يشهد على ذلك وجدران المكتب التي تمتلئ كل يوم بصورة شهيد جديد. وفي كل مرة كان يزور فيها بيت شهيد، كان يحرص على تقبيل يدي والده ويطلب صورة له. أما أولاد الشهداء، فكان يردد لهم عبارة واحدة حفظها الكل عن ظهر قلب «نحن نفتخر بكم». وهذا ما قاله لياسر عباس الموسوي في أول لقاء معه.
نادرة هي أوقات الفراغ التي كان يقضيها الرجل. ولكن، عندما تحدث، يستغلها في متابعة المباريات الرياضية أو لعب كرة القدم أو قراءة الروايات. وفي المرات النادرة التي كان يقصد فيها محلات الثياب، كان يحرص على «قراءة مكان المنشأ والصناعة، وفي غالب الأحيان لا يشتري إلا ثياباً إيرانية». أما الأكل، فلا دوام له، باستثناء الوجبة الصباحية. فقد يكون الغداء ليلاً، وقد يكون «سندويشاً على الطريق»، يقول حجازي. وإن دلّل نفسه قليلاً «فقد يطلب أكلة لبنانية يحبها، وأحبها إليه الفتوش أو التبولة والفروج المشوي».
لم يتذكر رفاقه كل تلك التفاصيل، إلا عندما استشهد وأقفلت الغرفة التي كانت مفتوحة على الدوام على دفتر مذكرات لا أحد يعرف من سيحتفظ به أخيراً.
سرّ الكتمان
عندما كان المهندس حسام خوش نويس يُسأل عن تكلفة المشاريع التي قامت بها الهيئة الإيرانية في لبنان، كان يختبئ خلف جواب واحد «ما قمنا به لا يساوي قطرة دم شهيد». لكن، ثمة سبب آخر لهذا الكتمان، وهو ما قاله لـ«الأخبار» في أيار 2008: «إذا كشفنا الرقم المدفوع على مشاريعنا وتولت شركة تدقيق مستقلة إجراء عملية حسابية فسيفتح نقاش لا ينتهي عن الهدر الكبير الذي حصل». عبارة تسببت يومها في احتجاج رسمي من قبل الرئيس فؤاد السنيورة، وانتهى بتعهد ألا يعود خوش نويس إلى التصريح الإعلامي.
مجتمع
العدد ١٩٣٧ الخميس ٢١ شباط ٢٠١٣
■ فرح لأن ابني سيتزوج من لبنانية
يكرّم حزب الله، عند الرابعة من عصر اليوم، رئيس الهيئة الإيرانية لإعادة إعمار لبنان المهندس حسام خوش نويس في احتفال تأبيني يقام في المركز الثقافي لبلدية الغبيري. سيُحتفى بالرجل بسبب إنجازاته، فيما نذكره هنا إنساناً أحبّ لبنان ومقاومته
راجانا حمية
وحدهم، أبناء «حارته» اللبنانية يعرفون من هو الإيراني. يعرفونه مهندساً ورئيساً للهيئة الإيرانية للمساهمة في إعادة الإعمار بعد حرب مدمرة. يعرفونه إنساناً. يحمل اسماً كسائر البشر. لا يهم إن كان حقيقياً، أم لقباً جهادياً. ما كان يهم أنه «كان إنساناً مثلنا. يحبّ وقليلاً ما يكره». هكذا قال الملازمون له كظلّه في لبنان.
حسام خوش نويس أو حسن الشاطري. لا فرق. كان يمكن لحسام أن يأتي باسم حسن «ويبقى مهندساً متقناً لعمله»، يقول رئيس مجلس إدارة «مشروع وعد لإعادة الإعمار» حسن جشي.
عندما استشهد خوش نويس، أو نافيس كما يلفظ بالفارسية، غاص الكلّ في التحليل: من هو هذا الرجل؟ وماذا كان يفعل قائد في الحرس الثوري الإيراني في لبنان؟ ولمَ لم نستحق توضيحاً من الحكومة اللبنانية عن هويته؟ كل هذه الأسئلة سئلت. ولكن ماذا عنه كإنسان كانت له مساهمة كبيرة في إعادة إعمار مناطق كثيرة في لبنان؟
في 14 آب 2006. حضر خوش نويس إلى لبنان، رئيساً للهيئة الإيرانية لإعادة الإعمار في لبنان. جاء وحيداً. بلا عائلة. بمهمة خدماتية، كغيره من الآتين من دول مجاورة للمساعدة. لم يكن إنساناً غير عادي إطلاقاً. كانت له يومياته وحياته.
فور وصوله بدأ عمله. لم يعط جسده وقتاً للراحة. كان يكرّر دائماً «إننا هنا لخدمة شعب المقاومة»، يقول رفيقه المهندس حسن حجازي. ولأجل ذلك، كان يقضي 18 ساعة في العمل، يومياً.
لا يحب هذا الرجل «شغلة المكاتب». كان المكتب ملجأه الأخير ليلاً للتفرغ لخرائط اليوم التالي ودفتر مذكراته، سينهيه مع الفجر نائماً على الكرسي أو «في الغرفة المجاورة التي صارت بيته»، يتابع حجازي. في الساعات الطويلة تلك، كان خوش نويس يتنقل بين المناطق التي تعمل فيها الهيئة «وفي اليوم نفسه، كان يجول في لبنان من الجنوب إلى الهرمل إلى الشمال، وعندما يعود ليلاً لا ينام».
في إحدى المرات، بقي مستيقظاً حتى الخامسة فجراً. وكان يساعده شابان في حينها، عباس قطايا، المسؤول الإعلامي في الهيئة، ودانيال علوية. يتذكر قطايا أنه نعس مع ساعات الفجر الأولى، ولكنه لم يكن قادراً وصديقه على الرحيل وترك خوش نويس وحيداً. بقيا منتظرين، حتى دخل ليصلي صلاة الفجر. عندها، هربا. وما كادا يصلان إلى البيت، حتى رنّ الهاتف وسمعه يقول له «شباب ارجع نصف ساعة بس».
على عكس الكثيرين، لم يكن الليل بالنسبة إليه للنوم. فقد كان «يكبو» عندما يعود من تجواله أو بعد صلاة الصبح. يستغرب المقرّبون منه كيف يعود ويستيقظ في اليوم التالي على هذا القدر من النشاط. فهو لم يستيقظ يوماً متأخراً عن اليوم الذي سبقه، كما أنه لم يتمسك ببعض العادات. يذكر قطايا أنه كان يصل صباحاً إلى مكتبه مع الترويقة، «التي كانت نفسها كل يوم: جبن وجوز وبعدها كوب الشاي مع التمر». أما في السيارة «فكان ينقطع عنا نهائياً أول ثلاثة أرباع الساعة، يستمع إلى القرآن ويرتله في الوقت نفسه». لا مكان للأحاديث الجانبية في حياته. مرتين حكى. في المرة الأولى، عندما لم يوافق رئيس الحكومة فؤاد السنيورة على السماح له بنزع الألغام. في تلك المرة، ظهر خوش نويس الهادئ بالمظهر الذي لا يشبهه «عصبي، وقد كانت هي تلك المرة الأولى التي تحدث فيها عن علاقته السيئة بالسنيورة»، يقول حجازي. والمرة الثانية كانت عن سرّ سعادته، التي كانت مفرطة في حينها. يومها، قال لحجازي «أنا فرح»، منتظراً من الأخير أن يسأله لماذا. وعندما سأله، قال له «ابني سيتزوج لبنانية». أحب «الشي الغريب في لبنان»، كما قال في إحدى المرات. ولكن، ليس لأن اسمه لبنان، بل «لأن فيه المقاومة». ويتذكر قطايا عنه أنه لم «يكن يمر أسبوع إلا ويطلب زيارة عائلة شهيد»، ودفتر المواعيد يشهد على ذلك وجدران المكتب التي تمتلئ كل يوم بصورة شهيد جديد. وفي كل مرة كان يزور فيها بيت شهيد، كان يحرص على تقبيل يدي والده ويطلب صورة له. أما أولاد الشهداء، فكان يردد لهم عبارة واحدة حفظها الكل عن ظهر قلب «نحن نفتخر بكم». وهذا ما قاله لياسر عباس الموسوي في أول لقاء معه.
نادرة هي أوقات الفراغ التي كان يقضيها الرجل. ولكن، عندما تحدث، يستغلها في متابعة المباريات الرياضية أو لعب كرة القدم أو قراءة الروايات. وفي المرات النادرة التي كان يقصد فيها محلات الثياب، كان يحرص على «قراءة مكان المنشأ والصناعة، وفي غالب الأحيان لا يشتري إلا ثياباً إيرانية». أما الأكل، فلا دوام له، باستثناء الوجبة الصباحية. فقد يكون الغداء ليلاً، وقد يكون «سندويشاً على الطريق»، يقول حجازي. وإن دلّل نفسه قليلاً «فقد يطلب أكلة لبنانية يحبها، وأحبها إليه الفتوش أو التبولة والفروج المشوي».
لم يتذكر رفاقه كل تلك التفاصيل، إلا عندما استشهد وأقفلت الغرفة التي كانت مفتوحة على الدوام على دفتر مذكرات لا أحد يعرف من سيحتفظ به أخيراً.
سرّ الكتمان
عندما كان المهندس حسام خوش نويس يُسأل عن تكلفة المشاريع التي قامت بها الهيئة الإيرانية في لبنان، كان يختبئ خلف جواب واحد «ما قمنا به لا يساوي قطرة دم شهيد». لكن، ثمة سبب آخر لهذا الكتمان، وهو ما قاله لـ«الأخبار» في أيار 2008: «إذا كشفنا الرقم المدفوع على مشاريعنا وتولت شركة تدقيق مستقلة إجراء عملية حسابية فسيفتح نقاش لا ينتهي عن الهدر الكبير الذي حصل». عبارة تسببت يومها في احتجاج رسمي من قبل الرئيس فؤاد السنيورة، وانتهى بتعهد ألا يعود خوش نويس إلى التصريح الإعلامي.
مجتمع
العدد ١٩٣٧ الخميس ٢١ شباط ٢٠١٣