الجرار الثقيلة
في أيام الشباب كانت مياه الشرب غير متوفرة في البيوت، ولم يكن هنالك شبكات مياه كالتي نراها اليوم.
كانت المياه موجودة فقط في مناطق محدّدة، وفي آبار كبيرة بعيدة عن المنازل، يذهب الناس إلى تلك الآبار حاملين أوعية كالغالونات، أو الجرار الكبيرة للاستجرار منها، وكانت تلك الآبار عميقة، بعيدة عن سطح الأرض، وعلى من يريد الماء أن ينزل إلى الأسفل ما يقارب 40 درجة كي يستطيع تعبئة وعائه، وكان ذلك أمراً شاقاً، خاصة عند الصّعود، حين تكون الجرار الممتلئة بالماء ثقيلة الوزن، يصبح صعود تلك الدرجات الكثيرة أمراً شاقّاً، فكيف إذا كانت الحاجة تستدعي عدداً أكبر من الجرار، وهذا يعني النزول والصعود مرات عديدة.
وكان هو الفتى اليافع الذي تزدحم في قلبه محبة هؤلاء الناس، مدفوعاً بتعاطف لم أر مثيلاً له، يذهب الى هناك دونما دعوة أو حاجة، حتى وإن لم يكن يريد لنفسه أو لأهله من ذلك الماء، كان يذهب إلى هناك، ويقضي الكثير من الوقت وهو يملأ الجرار صاعداً ونازلاً تلك الدرجات، مبللاً، دون أن يُعرف أمن ماء الجرار هذا البلل أو من عرق الجهد المضنى الذي يبذله، سعيداً مبتسماً راضياً، كنبيّ الله موسى وهو يستسقي لابنتي نبي الله شعيب، والأجمل من ذلك أن كلَّ العجائز كانت تجلس وإلى جانبها جرارها تنتظرنه واثقات من مساعدته لهن، ودون أن يطلبن منه يأخذ الجرار مبتسماً، يملؤها واحدةً تلو الأخرى، ولا يتوقف قبل أن يملأها جميعاً، ولا يغادر المكان حتى لا يبقى هناك من الضعفاء أحد من نساءٍ ورجالٍ وأطفال.