كنت في انتظاره على قلق
نعم، في ليلة لقائه مع محمد حسن، وبعد أن عاد إلى البيت، كنت في انتظاره وأنا قلقة، قناعتي بمحمد حسن كانت راسخة في قلبي، لكن خوفي كان مشروعاً ومبرراً، ماذا سيقول محمد حسن عن إمكاناته واستعداده للزواج؟ وكنت متحمسة جداً، وقلقة لأسمع من أبي تفاصيل اللقاء، وقفت أمامه وأنا أتصنّع الهدوء، تحدثنا حديثاً عادياً، منعني خجلي من أن أسأله عما جرى في ذلك اللقاء، تظاهرتُ بعدم الاهتمام، ولم أسأله، وهو لم يتكلم في الموضوع، وكان سيسافر إلى بيروت بعد عدة ساعات، فبدأ بجمع أغراضه وحاجياته، حاولت عدة مرات ان أتكلم فلم استطع لشدة خجلي، ثم يئست من قدرتي على مصارحته رغم قلقي، ما كان أمامي إلا أن اتركه محتفظة بأسئلتي، فقلت له تصبح على خير، بعد أن ودعته كما هي عادتي، وأحاطني بدلاله كما يفعل دائماً، وقلت له يائسة من نفسي:
- تصبح على خير.
وحين وصلت إلى الباب سمعته يقول بصوت بدت فيه ضحكته:
- لمَ لم تسأليني عما حصل يا فاطمة؟!
- استحيت منك.
ترك كل شيء وأجلسني بالقرب منه، وسرد لي حينها كل ما حصل في ذلك اللقاء.
لم أتوقع أبداً أن يتعامل أبي بهذه الحميمية مع محمد حسن قبل الخطبة، حتى يوم تقدم رسمياً للخطبة، وأتى مع أهله، كان أبي مرحاً جداً بحيث تشعر وكأنهم أقرباؤنا، أو أصدقاؤنا منذ زمن. وتحدث معهم في جميع المواضيع، في الحياة السياسية، والاقتصادية، وكل شيء ما عدا موضوع الخطبة.
انتظر الجميع أن يدخل في الموضوع الأساسي، أو يلمّح إليه في الحدّ الأدنى، أو أن يقترب منه على الأقل، ليمهّد لهم الطريق، لكنه لم يفعل، فما كان من والد محمد حسن إلا أن طرح الموضوع الرئيسي للزيارة بشكل مباشر، حينها صمت أبي، وظهر الجد في ملامحه، ثم فاجأهم بقوله:
- حسناً كم عقاراً، وكم بيتاً، ستكتبون باسم ابنتي؟
فإذا بوالد محمد حسن ينظر الى محمد حسن الذي أصبح وجهه أحمر، وتجمع الدم في رأسه، وغرق في مقعده كأنه يريد الاختفاء، ثم أكمل أبي حديثه والجد والعبوس في وجهه وهو يقول باهتمام:
- أما بالنسبة للمهر فتعلمون العادة والأصول.. وهي لن تكون أقل من 124 الف ليرة ذهب.. أليس كذلك؟
قال جملته الاخيرة وهو ينظر إليهم وقد تلبسهم الذعر، وحين رأى ذلك منهم ضحك وقال:
- لم يكن ذلك سوى مزاحاً.. لم أكن أريد سوى تلطيف الأجواء.
كأن ماءً بارداً صبّ على تلك الرؤوس، وانقلب المجلس إلى ضحك طويل، تبددت خلالها كل الاجواء الرسمية.
كنت قد قلت له مسبقا أني لا أطلب أكثر من 114 ليرة، أما هو فقد قال بعد أن ارتاح الحضور وتغيّرت الاجواء:
- بالنسبة للمهر فإن ابنتي طلبت أكثر من 100 ليرة.. لكنني أنا شخصياً لن اقبل بذلك.. لن أطلب أكثر من 14 ليرة فقط.. لأن هذا المبلغ هو نفسه الذي قدمناه مهراً لزوجة ابني.. ولن أطلب لابنتي اكثر منها حتى ولو بليرة واحدة، لأنني لو فعلت لن أكون مرتاح الضمير أبداً.
كنت ابنته الوحيدة، لكنه مع ذلك لم يقبل إلا بأقلّ الأمور، ورفض ان يثقل على محمد حسن وأهله، وإن بشكل قليل، وكان يشدد في موضوع الشق المادي ان يكونوا مرتاحين تماماً بعيداً عن الضغوط.
كان عندما يتصل بي من بيروت، يسألني عن صحتي، وصحة محمد حسن، ودراستنا، يشدد كثيراً على موضوع الدراسة، ولم يكترث أبداً لتحضيرنا للعرس، أو المراسم، أو البيت، ومكان سكني، لم يتحدث عن هذا أبداً، كان يقول:
- إن كل ذلك سيُحلّ بالاتكال على الله، و لكن الدرس يحتاج إلى المثابرة والجهد إلى جانب الاتكال.