ممكن ترى إيلات
من الميزات الفريدة في المهندس حسام هي طريقته في التفكير، فهو يتجه بفكره اتجاهاً لا يصل إليه سواه، كنت أرى ذلك طوال الفترة التي تشرفت فيها بالعمل معه في حديقة مارون الراس، كان يذهلني ذلك فيه، فهو يتخطى بفكره ما هو موجود، يأخذه إلى أبعد من ذلك، ما أريد أن أقوله أنه يجعل للشيء قيمة مضافة، أي ان هناك زيادة في رؤيته، وكأن ذهنه يخطو بالشيء خطوة إضافية، وهذا ما كان يحدث في مشروع الحديقة، فالتصاميم تأخذ مع الوقت شكلاً آخر، تجعلها عند التنفيذ أكبر قيمه، وأكثر فاعلية وجدوى.
من تلك الأعمال التي توقفت عندها، ولفتتني طريقة تفكيره فيها، هي فكرة إنشاء البرج. والغريب أنّ موقع الحديقة هو مكان مشرف أصلاً، وقد اختار اكثر الاماكن إشرافاً، ووقف عنده يشاهد فلسطين، وكل الجوار، ثم التفت إليّ وقال:
- هنا يجب أن نعمل برج.
لقد قرر ان ينشئ برجاً هناك، برجاً عالياً في ارتفاع لا يقل عن 12 متراً، ولم يكتفِ بذلك، بل جهزناه بمنظار، وقد اعتدت على كل هذا الجديد منه، لكن الذي لفتني ما قاله تلك الليلة، فهو يصلح مثالاً لتوضيح الطريقة التي يفكر فيها المهندس حسام خوش نويس.
كان الوقت ليلاً، وكنت معه في الحديقة، ونحن ننظر في أنس إلى ما أنجزناه. صعد إلى البرج وأخذ ينظر بالمنظار، وجعل يعد الإضاءة التي يراها في الليل، مجموعات من النقاط الضوئية تنتشر على الافق في المدى المقابل، والمهندس حسام يعد، حتى وصل إلى الرقم 36 وكان هذا عدد جميع ما شاهده من خلف الحدود. التفت إليّ وقال:
- أنت من هنا ترى 36 مستعمرة، وقرية في فلسطين.. عن ارتفاع 12 متراً أنت ترى 36 مستعمرة.. من ارتفاع 36 متراً ماذا يمكن أن ترى؟!.. كم عدد ما ستراه؟.. ممكن ترى إيلات..
وكان حلمه أن ينشئ برجاً عاليا ًيرتفع 36 متراً عن سطح الأرض مع مصعد. لم يكن هناك حدٌ لطموحه وأفكاره، دائما لديه جديد، وإضافة جديدة غنية. كان سعيدا بهذا البرج، وان كان أقل من أحلامه، سعيدا بكل ما أنجزه في الحديقة. بكل ذلك الحماس السعيد والملفت كان يأتي إليها.
في أحد الأيام، وأنا أنفذ البرج، كان فرحاً جداً، ويتنقل بين معالم الحديقة كالطير من صخرة، إلى صخرة فرحاً مسروراً بالإنجاز، صعد البرج وهو قيد الإنجاز، لم أكن بعد قد وضعت له حواجز حماية، والمهندس لشدة حماسته وقع من الطابق الثالث إلى الطابق الثاني، وتأذى كثيراً، جرح صدره ورأسه، وعندما ذهبت لرؤيته في المستشفى، ضحك حين رآني، فقلت له:
- هذا من كثرة حماستك مهندس.
ضحك وهو يردد بسعادة: - ما مشكل ما مشكل.