الحمامة
كنا ذاهبين إلى موعد في مكان تقرر فيه اجتماع كبير من اجل التداول في شؤون العمل. وكنا نشكل موكباً كبيراً من 3 سيارات، وفي طريقنا إلى ذلك الاجتماع، شاهد المهندس حسام من خلال زجاج السيارة شيئاً، جعله يطلب إلى السائق التوقف فوراً، ظن البعض منا أن خطبا جليلاً قد حدث، ونحن ننظر إلى المهندس حسام يترجل من السيارة مسرعا ويتوجه إلى الطريق، توجهت إليه وأنا في غاية القلق، وإذا به يجلس القرفصاء في وسط الطريق وهو يحتضن حمامة بحنان بالغ، كأم تحتضن طفلها، يمسد على رأسها الصغير، وهي بالكاد كانت تستطيع الحراك، حملها بين يديه وقد قربها إلى صدره بتمهل شديد، بدت اللهفة واضحة على ملامح وجهه وهو يصعد إلى السيارة، وانصرف إليها كلياً وهو يدقق بمكان اصابتها برفق شديد، وقد عضَّ على شفته السفلى، وكأن الاصابة في جناحه هو.
احتفظ بها في رعاية شديدة، واصطحبها إلى منزله، وبقي يعالجها حتى تعافت تماما. وقيل لي أنه أصرّ على اطلاقها في المكان الذي التقطها منه، كي لا تستوحش مكاناً لا تعرفه، ولتلتقي بمن كانت تعيش معه من الطيور، ثم أطلقها لتطير في الفضاء الواسع، وهو ينظر إلى اجنحتها سعيداً وهي تقتحم الهواء، مصدرة صوتاً يدل على نشاطها وتعافيها، كأني به يحمّل اجنحتها رسالة إنسان حافظ على فطرته التي فطره الله عليها، سعيداً بالمساعدة التي قدمها لها.
اهتمامه وعطفه، لم يكونا مقتصرين على الإنسان فقط، فهو يفكر بكل خلق الله بتلك الروحيّة الصافية نفسها، النابعة من قلب مؤمن مفطور على العطف، كان إذا بقي طعام من الموائد، يجمعه في كيس، حتى إذا جاء إلى النهر أو إلى بحر، رماه هناك لتأكل منه الاسماك، وإن لم يتوفر ذلك، حين يكون البحر والنهر أبعد أو ليس في الطريق الذي يذهب إليه، وضع هذا الطعام الباقي من الموائد على رفوف الشبابيك، لتأكل منه الطيور.