اللغة الصعبة
كنت أعمل معه كمترجم خلال فترة تواجده في لبنان، وكان المهندس حسام يتكلم اللغة التركية، والكردية، والأفغانية أيضا، إضافة إلى اللغة الفارسية لغته الأساسية. وكان الشهيد يهتم بتعلم اللغة الإنكليزية لتساعده في رسالة الدكتوراه التي كان يحضر لها والتي كانت تتناول موضوع مشاريع إعادة الإعمار.
وعلاقته مع القرآن كانت متينة جداً، فهو كتاب الله الذي لم يكن يفارقه، والذي يواظب على قراءته باستمرار، خاصة في الصباح، فهو يومياً عندما يصعد إلى سيارته يبدأ نهاره بعدد من صفحات القرآن الكريم. تعلقه بالقرآن وآياته كان كبيراً، من أهم الأسباب التي كانت تشكل حافزاً قوياً له، يدفعه ليتعلم اللغة العربية، بالرغم من انشغاله الشديد، كان يحب أن يتعلم اللغة العربية على صعوبتها، لتساعده في فهم القرآن، وما فيه من إعجاز لغوي.
كما أن لغته العربية الضعيفة كانت تزعجه كثيراً، لأنها كانت تشكل عائقاً أمام تفاهمه مع العمال وأصحاب المشاريع والمهندسين والشخصيات والوزراء... ولكنه لكثرة انشغاله لم يكن ليتسنى له ذلك، فاللغة العربية صعبة لمن يريد ان يتعلمها، وتحتاج الكثير من الوقت لديه، فيحاول أن يكسب ما يستطيع من المفردات خلال العمل، وفي هذا السياق كان يطلب مني أن أعلمه اللغة العربية، ويقول لي:
- لا تعمل مترجم فقط... علمني أقول عربي.
يطلب إلىَّ ان أقول الكلمات ليكررها هو. يريدني أن أكون معلما بدلاً من أن أكون مترجماً، ويحاول دائما أن يتحدث بالعربية، وإذا تعلم جملة ظل يكررها، وكان غيابي عنه لبعض الوقت يشكل له عائقاً كبيراً أمام تعلمه للغة، ويجبره على أن يتكل على نفسه في فهم اللغة العربية وترجمة معانيها إلى اللغة الفارسية.
في الأشهر الاولى لقدومه، كانت محاولاته تلك تثير الاعجاب، وفيها من الظرافة الكثير، والمهندس حسام بالرغم من جديته الشديدة في العمل، الا أنه رجل ظريف، يحب الفكاهة، وذو شخصية مرحة، فكانت الكثير من محاولاته لتعلم اللغة العربية تضفي على الجو المشحون بجدية العمل إبتسامة محببة، يسعى إليها هو ايضاً، أذكر في هذا الصدد أنه مرة في مارون الراس، بدَّل كلمة بواحدة أخرى، مختلفة تماماً، عندما أراد أن يشير إلى منطقة "اصبع الجليل" فقال "جبل الخليل". ضحكنا جميعاً، فسألني، وحين ترجمت له الخطأ، غرق معنا في ضحك طويل.
هناك حادثة طريفة أخرى، أذكرها في إطار معاناته مع اللغة العربية. كان قد سمع كلمة حفظها وظلت في ذهنه، لا أدري من أين جاء بها، لابد أنه سمعها من أحد ما، لم أعد أذكرها الآن، وحين ذهبنا إلى السفارة الإيرانية مع الأخ زهير، والتقى هناك بأحد الأشخاص، وفي طيات الحديث ألقى المهندس هذه الكلمة، وحين غادرنا أخبره الأخ زهير ما تحويه هذه الكلمة من معنى غير لائق، فتوقف المهندس حسام، وقد أذهلته المفاجأة، ثم توجه على الفور نحو الرجل وأخذ يعتذر إليه، ويتأسف بأدبه ولياقته المعروفة، راجياً منه المسامحة، وهو يقسم له أنه لم يكن يعلم معناها.