أين هو؟!
هو شخص مختلف عن المسؤولين الذين نراهم في حياتنا، فأنا طوال حياتي العمليّة لم أرَ رجلاً رفيع المقام يتصرف كما يتصرف المهندس حسام، لم يكن يبالي بموقعه كمدير عام، لا يطلب الراحة ولا يسعى اليها، لم يكن يخصص نفسه أو يميزها، باي شكل من أشكال التمييز، بل كان يتعمد لشدة تواضعه أن يكون كأي فرد من العاملين معه، ويعمل بإخلاص شديد، فهو على سبيل المثال، إذا أراد أن يكشف على طريق أنجزت حديثاً، كان يمشي على طول الطريق سيراً على الأقدام، ولو كان طول الطريق "2 كلم"، أما غيره وحتى من المتعهدين الصغار، أن أرادوا الكشف على طريق ساروا عليه بسياراتهم الفارهة المكيفة، وكان معنا في مواقع العمل كأي واحد منا.
إن لم تكن على معرفة مسبقة به لن تستطيع تمييزه، مرارا كان يحدث هذا، يكون معنا في موقع العمل ويسأل أحدهم، أين هو؟!، وحين نشير اليه يقف السائل مذهولاً حين يجده وسط العمال، أو يراه يساعد عاملا في عمله. وإذا حان موعد الغداء كان يجلس دائماً مع العمال على نفس الطاولة يتناول طعام العمال البسيط.
كنا مرة في اجتماع في مكتب الهيئة، وخرج قبلي بعشر دقائق، وعندما خرجت وجدته يغير دولاب سيارته، وكثير من العاملين لديه كانوا بالقرب من مكان تواجده، وكان بإمكانه أن يستدعي أحدهم لمساعدته، لكنه لم يطلب المساعدة من أحد ، ركضت إليه، وأنا اطلب منه ترك العمل، وأن أقوم أنا بذلك، لكنه رفض بشده، ولم يقبل رغم إصراري الشديد عليه.
لقد كان قلبي يتفطر عليه، يرهق نفسه كثيرا في العمل، مرة كنا في الجنوب في جلسة عمل طويلة، ولم تنتهِ قبل الساعة الحادية عشرة ليلاً، واضطر بعدها للعودة إلى بيروت للعمل على بعض الأوراق، وفي الصباح الباكر قبل الساعة السابعة عاد إلى الجنوب. ومما عرفته أنه كان عندما ينـزل إلى بيروت لا ينام بل يكتب ويحضر.