img

وَجَاءَ‭ ‬مِنْ‭ ‬أَقْصَىَ‭ ‬المَدِيْنَةِ‭ ‬رَجُلٌ‭ ‬يَسْعَىَ

لتحميل الكتاب

سحر‭ ‬التواضع


كان‭ ‬له‭ ‬سحر‭ ‬خاص،‭ ‬يؤثر‭ ‬به‭ ‬على‭ ‬الناس،‭ ‬فهل‭ ‬من‭ ‬المعقول‭ ‬أن‭ ‬مسؤولا‭ ‬مثله،‭ ‬يحتك‭ ‬بهذا‭ ‬العدد‭ ‬الكبير‭ ‬جدا‭ ‬من‭ ‬الناس،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تجد‭ ‬أحداً‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يلومه،‭ ‬أو‭ ‬أنه‭ ‬ترك‭ ‬أثراً‭ ‬سلبياً‭ ‬عنده،‭ ‬بل‭ ‬العكس‭ ‬هو‭ ‬الصحيح،‭ ‬لقد‭ ‬أحبه‭ ‬جميع‭ ‬من‭ ‬التقى‭ ‬بهم،‭ ‬وإن‭ ‬اختلفت‭ ‬مواقعهم‭ ‬،‭ ‬أو‭ ‬انتماءاتهم‭ ‬الدينية‭ ‬أو‭ ‬السياسية،‭ ‬إنه‭ ‬فعلاً‭ ‬رجل‭ ‬ساحر،‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يترك‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الاثر‭ ‬عند‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬عرفه،‭ ‬غنياً‭ ‬كان‭ ‬أم‭ ‬فقيراً،‭ ‬كبيراً‭ ‬أم‭ ‬صغيراً،‭ ‬لم‭ ‬يغضب‭ ‬منه‭ ‬أحد‭ ‬طوال‭ ‬استلامه‭ ‬لمسؤوليته‭. ‬
مع‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المواصفات‭ ‬والجديّة‭ ‬في‭ ‬العمل،‭ ‬وما‭ ‬أظهره‭ ‬من‭ ‬التفاني‭ ‬والإخلاص،‭ ‬نحن‭ ‬نتكلم‭ ‬عن‭ ‬شخص‭ ‬يتمتع‭ ‬بروح‭ ‬مرحة،‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬وجهه‭ ‬العبوس،‭ ‬ولا‭ ‬تراه‭ ‬عاقد‭ ‬الحاجبين‭ ‬أبداً،‭ ‬فهو‭ ‬دائم‭ ‬الابتسام،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬المشاكل‭ ‬والتعقيدات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تحيط‭ ‬به‭.‬
كان‭ ‬حسن‭ ‬العشرة‭ ‬بشكل‭ ‬غريب،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬تواضعه‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يصدق،‭ ‬فكيف‭ ‬يكون‭ ‬رجل‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬مكانته،‭ ‬والموقع‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬فيه،‭ ‬بهذا‭ ‬الكم‭ ‬من‭ ‬التواضع‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬زائد‭ ‬عن‭ ‬حده‭ ‬المألوف؟‭!‬
مكتبه‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مكتب‭ ‬مدير،‭ ‬ليس‭ ‬له‭ ‬خصوصية‭ ‬معينة،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬مكاتب‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬أقل‭ ‬منه‭ ‬شاناً‭ ‬بكثير،‭ ‬فالداخل‭ ‬والخارج‭ ‬يسلم‭ ‬عليه،‭ ‬دون‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬وسيط،‭ ‬أو‭ ‬حاجب،‭ ‬أو‭ ‬مدير‭ ‬مكتب،‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬سكرتير،‭ ‬يخبره‭ ‬بوجود‭ ‬الشخص‭ ‬الذي‭ ‬يريده‭ . ‬حتى‭ ‬أثاث‭ ‬المكتب‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يبالي‭ ‬به،‭ ‬لم‭ ‬يشارك‭ ‬بانتقائه،‭ ‬لا‭ ‬اللون،‭ ‬ولا‭ ‬الصنف،‭ ‬ولا‭ ‬النوعية،‭ ‬يعترض‭ ‬فقط‭ ‬حين‭ ‬يكون‭ ‬باهظ‭ ‬الثمن،‭ ‬أو‭ ‬مترفاً،‭ ‬أو‭ ‬يوحي‭ ‬بأهمية‭ ‬صاحبه‭ ‬وعلو‭ ‬شأنه،‭ ‬لقد‭ ‬اعتدنا‭ ‬على‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬منه،‭ ‬وبتنا‭ ‬نعرف‭ ‬مع‭ ‬الوقت‭ ‬هذا‭ ‬الطبع‭ ‬فيه،‭ ‬حتى‭ ‬قيل‭ ‬لي‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬ان‭ ‬كرسي‭ ‬مكتبه‭ ‬أصبح‭ ‬مهترئاً‭ ‬لكثرة‭ ‬الاستعمال،‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬صالحاً‭ ‬لكونه‭ ‬أصبح‭ ‬غير‭ ‬مريح،‭ ‬ويشكون‭ ‬من‭ ‬عيوب‭ ‬في‭ ‬بنيته،‭ ‬وحين‭ ‬جاءوا‭ ‬له‭ ‬بكرسي‭ ‬جديد‭ ‬اعترض‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬ورفض‭ ‬بشده،‭ ‬وطالبهم‭ ‬بالكرسي‭ ‬القديم،‭ ‬وحمل‭ ‬الكرسي‭ ‬الجديد‭ ‬وأعطاه‭ ‬لأحد‭ ‬الموظفين‭.‬
حين‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬مكتبه‭ ‬مع‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬العاملين‭ ‬لديه،‭ ‬ويطرق‭ ‬أحد‭ ‬باب‭ ‬مكتبه،‭ ‬يقوم‭ ‬بنفسه‭ ‬ليفتح‭ ‬الباب،‭ ‬ولا‭ ‬ينتظر‭ ‬من‭ ‬يفتح‭ ‬الباب‭ ‬عنه،‭ ‬في‭ ‬مراعاة‭ ‬لموقعه‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬العادة‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الحال‭. ‬وهو‭ ‬يقدِّم‭ ‬الضيافة‭ ‬بنفسه‭ ‬للحاضرين،‭ ‬كائنا‭ ‬من‭ ‬كانوا‭.‬
كان‭ ‬كريماً‭ ‬جداً،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬ليأكل‭ ‬شيئا‭ ‬دون‭ ‬إطعام‭ ‬جميع‭ ‬الحاضرين‭ ‬معه،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬قطعة‭ ‬صغيرة،‭ ‬قسّمها‭ ‬إلى‭ ‬قطع‭ ‬وأطعم‭ ‬منها‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬معه‭.‬
كانت‭ ‬الرُّمانة‭ ‬بين‭ ‬يديه‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬الحاضرين،‭ ‬وهو‭ ‬يعلمنا‭ ‬طريقة‭ ‬الأكل،‭ ‬فله‭ ‬أساليبه‭ ‬الخاصة‭ ‬في‭ ‬أكل‭ ‬الرمان‭.‬