سحر التواضع
كان له سحر خاص، يؤثر به على الناس، فهل من المعقول أن مسؤولا مثله، يحتك بهذا العدد الكبير جدا من الناس، دون أن تجد أحداً يستطيع أن يلومه، أو أنه ترك أثراً سلبياً عنده، بل العكس هو الصحيح، لقد أحبه جميع من التقى بهم، وإن اختلفت مواقعهم ، أو انتماءاتهم الدينية أو السياسية، إنه فعلاً رجل ساحر، يستطيع أن يترك مثل هذا الاثر عند كل من عرفه، غنياً كان أم فقيراً، كبيراً أم صغيراً، لم يغضب منه أحد طوال استلامه لمسؤوليته.
مع كل هذه المواصفات والجديّة في العمل، وما أظهره من التفاني والإخلاص، نحن نتكلم عن شخص يتمتع بروح مرحة، لا يعرف وجهه العبوس، ولا تراه عاقد الحاجبين أبداً، فهو دائم الابتسام، بالرغم من كل تلك المشاكل والتعقيدات التي كانت تحيط به.
كان حسن العشرة بشكل غريب، خاصة في تواضعه الذي لا يصدق، فكيف يكون رجل في مثل مكانته، والموقع الذي هو فيه، بهذا الكم من التواضع الذي هو زائد عن حده المألوف؟!
مكتبه على سبيل المثال، لم يكن مكتب مدير، ليس له خصوصية معينة، كما هو الحال في مكاتب من هم أقل منه شاناً بكثير، فالداخل والخارج يسلم عليه، دون الحاجة إلى وسيط، أو حاجب، أو مدير مكتب، ولا حتى سكرتير، يخبره بوجود الشخص الذي يريده . حتى أثاث المكتب لم يكن يبالي به، لم يشارك بانتقائه، لا اللون، ولا الصنف، ولا النوعية، يعترض فقط حين يكون باهظ الثمن، أو مترفاً، أو يوحي بأهمية صاحبه وعلو شأنه، لقد اعتدنا على مثل هذا منه، وبتنا نعرف مع الوقت هذا الطبع فيه، حتى قيل لي بعد ذلك ان كرسي مكتبه أصبح مهترئاً لكثرة الاستعمال، ولم يعد صالحاً لكونه أصبح غير مريح، ويشكون من عيوب في بنيته، وحين جاءوا له بكرسي جديد اعترض على ذلك ورفض بشده، وطالبهم بالكرسي القديم، وحمل الكرسي الجديد وأعطاه لأحد الموظفين.
حين يكون في مكتبه مع عدد من العاملين لديه، ويطرق أحد باب مكتبه، يقوم بنفسه ليفتح الباب، ولا ينتظر من يفتح الباب عنه، في مراعاة لموقعه كما هي العادة في مثل هذه الحال. وهو يقدِّم الضيافة بنفسه للحاضرين، كائنا من كانوا.
كان كريماً جداً، ولم يكن ليأكل شيئا دون إطعام جميع الحاضرين معه، وإن كانت قطعة صغيرة، قسّمها إلى قطع وأطعم منها كل من معه.
كانت الرُّمانة بين يديه تصل إلى كل الحاضرين، وهو يعلمنا طريقة الأكل، فله أساليبه الخاصة في أكل الرمان.