img

وَجَاءَ‭ ‬مِنْ‭ ‬أَقْصَىَ‭ ‬المَدِيْنَةِ‭ ‬رَجُلٌ‭ ‬يَسْعَىَ

لتحميل الكتاب

استثمار‭ ‬الموقع


كان‭ ‬يتعمد‭ ‬التكتم‭ ‬على‭ ‬شخصيته‭ ‬خوفا‭ ‬من‭ ‬استغلال‭ ‬ولو‭ ‬بسيط‭ ‬لموقعه‭ ‬ومكانته‭. ‬كثيرة‭ ‬تلك‭ ‬الحوادث‭ ‬المثيرة‭ ‬للاستغراب،‭ ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لا‭ ‬الحصر،‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬ايران،‭ ‬في‭ ‬الرحلة‭ ‬التي‭ ‬اخذ‭ ‬فيها‭ ‬الموظفين‭ ‬في‭ ‬الهيئة،‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬زيارة‭ ‬وسياحة‭ ‬إلى‭ ‬ايران،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬ضمن‭ ‬البرنامج،‭ ‬زيارة‭ ‬إلى‭ ‬القصر‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يسكنه‭ ‬الشاه،‭ ‬لقد‭ ‬كان‭ ‬العدد‭ ‬كبيراً‭ ‬جداً،‭ ‬ولهذا‭ ‬استلزم‭ ‬تقسيم‭ ‬دخول‭ ‬الزوار‭ ‬على‭ ‬دفعات،‭ ‬وبعد‭ ‬دخول‭ ‬دفعتين‭ ‬من‭ ‬وفدنا،‭ ‬قدم‭ ‬إلى‭ ‬القصر‭ ‬وفد‭ ‬ألماني‭ ‬يريد‭ ‬الدخول،‭ ‬فما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬البواب‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬قطع‭ ‬دور‭ ‬أحد‭ ‬دفعاتنا،‭ ‬وأدخل‭ ‬الوفد‭ ‬الالماني‭ ‬بدلاً‭ ‬منهم،‭ ‬رفض‭ ‬المهندس‭ ‬هذا‭ ‬الخلل‭ ‬المتعمد،‭ ‬طالب‭ ‬البوّاب‭ ‬بتصحيح‭ ‬الوضع،‭ ‬لكن‭ ‬البواب‭ ‬رفض‭ ‬قائلاً‭:‬
‭ - ‬هذا‭ ‬الوفد‭ ‬وفد‭ ‬الماني‭ ‬مهم‭.‬
لكن‭ ‬المهندس‭ ‬حسام‭ ‬رفض‭ ‬هذا‭ ‬المنطق،‭ ‬وقال‭ ‬بإصرار‭:‬ ‭ - ‬إن‭ ‬من‭ ‬معي‭ ‬هم‭ ‬أهم‭ ‬من‭ ‬أوروبا‭ ‬بأكملها‭.‬
فصرخ‭ ‬البواب‭ ‬بوجه‭ ‬المهندس‭ ‬قائلاً‭.‬ ‭ - ‬أنا‭ ‬من‭ ‬يقرر‭ ‬وليس‭ ‬أنت
لم‭ ‬يفكر‭ ‬المهندس‭ ‬حسام،‭ ‬حتى‭ ‬مجرد‭ ‬التفكير‭ ‬أن‭ ‬يستعمل‭ ‬بطاقة‭ ‬التعريف،‭ ‬ليعرف‭ ‬عن‭ ‬نفسه،‭ ‬حتى‭ ‬لأخذ‭ ‬الحق‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬مقتنع‭ ‬به،‭ ‬ارتفع‭ ‬صوت‭ ‬البواب‭ ‬وهو‭ ‬يطرد‭ ‬المهندس،‭ ‬وبمجرد‭ ‬أن‭ ‬سمع‭ ‬اللبنانيون‭ ‬صراخ‭ ‬البوّاب‭ ‬يعلو‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬المهندس‭ ‬حتى‭ ‬اسودت‭ ‬الدنيا‭ ‬في‭ ‬أعينهم،‭ ‬إنه‭ ‬المهندس‭ ‬حسام،‭ ‬هذا‭ ‬العملاق‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليهم،‭ ‬ما‭ ‬هان‭ ‬عليهم،‭ ‬ولم‭ ‬يستطيعوا‭ ‬احتمال‭ ‬أن‭ ‬يصرخ‭ ‬أحد‭ ‬بوجه،‭ ‬فهجموا‭ ‬على‭ ‬البواب‭ ‬وضربوه‭. ‬
في‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الجو‭ ‬المشحون‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬الشهيد‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬تهدئة‭ ‬الناس،‭ ‬لكنه‭ ‬كان‭ ‬مستاءً‭ ‬جداً‭ ‬من‭ ‬فعل‭ ‬الشباب،‭ ‬لأنهم‭ ‬انفعلوا‭ ‬واخطأوا،‭ ‬وكان‭ ‬عليهم‭ ‬أن‭ ‬يتركوا‭ ‬الأمر‭ ‬له،‭ ‬وهو‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬حل‭ ‬المشكلة،‭ ‬وأخذ‭ ‬حقهم‭ ‬بطريقة‭ ‬اخرى‭. ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬وصل‭ ‬الخبر‭ ‬إلى‭ ‬الادارة‭ ‬والموظفين‭ ‬في‭ ‬القصر،‭ ‬وعرفوا‭ ‬بأن‭ ‬هذا‭ ‬الشخص‭ ‬الذي‭ ‬منع‭ ‬من‭ ‬الدخول،‭ ‬هو‭ ‬ممثل‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية،‭ ‬وأن‭ ‬معه‭ ‬وفد‭ ‬الهيئة،‭ ‬فجاؤوا‭ ‬جميعا‭ ‬إلى‭ ‬الباب،‭ ‬ليعتذروا‭ ‬منه،‭ ‬ويصلحوا‭ ‬الحال،‭ ‬ويدعوه‭ ‬إلى‭ ‬الدخول‭ ‬برجاء‭ ‬واحترام‭ ‬شديد،‭ ‬لكنه‭ ‬رفض‭ ‬الدخول‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يعتذر‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬البواب‭ ‬الذي‭ ‬ضُرب،‭ ‬وتأكد‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬قبّله‭ ‬بأنه‭ ‬راضٍ،‭ ‬توجه‭ ‬إلى‭ ‬مدير‭ ‬القصر‭ ‬ومن‭ ‬معه،‭ ‬وأخذ‭ ‬يعظهم‭ ‬قائلاً‭:‬
‭ - ‬عليكم‭ ‬أن‭ ‬تعطوا‭ ‬كل‭ ‬ذي‭ ‬حقه‭.. ‬دون‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬الموقعيّات‭ ‬أو‭ ‬سواها‭.. ‬فلو‭ ‬جاء‭ ‬الألمانيون‭ ‬أولاً،‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الواجب‭ ‬إدخالهم‭ ‬قبلنا‭.‬
وكان‭ ‬يستنكر‭ ‬بشدة‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يستغل‭ ‬موقعه،‭ ‬أو‭ ‬يتصرف‭ ‬من‭ ‬وحي‭ ‬ذلك‭ ‬الموقع‭. ‬حين‭ ‬كان‭ ‬هو‭ ‬والأخ‭ ‬كاظم،‭ ‬متوجهين‭ ‬إلى‭ ‬منطقة‭ ‬البقاع،‭ ‬كان‭ ‬عليهما‭ ‬أن‭ ‬يمرا‭ ‬بطريق‭ ‬ضيقة،‭ ‬وفجأة‭ ‬علت‭ ‬أصوات‭ ‬أبواق‭ ‬السيارات،‭ ‬وكانت‭ ‬تلك‭ ‬السيارات‭ ‬تابعة‭ ‬لموكب‭ ‬أحد‭ ‬السياسيين‭ ‬الكبار،‭ ‬وكانت‭ ‬تسير‭ ‬خلف‭ ‬سيارة‭ ‬المهندس،‭ ‬وتطلق‭ ‬جميعها‭ ‬الابواق‭ ‬كي‭ ‬يفسح‭ ‬له‭ ‬المجال،‭ ‬كان‭ ‬المطلوب‭ ‬أن‭ ‬تقف‭ ‬السيارة‭ ‬إلى‭ ‬أقصى‭ ‬جانب‭ ‬الطريق،‭ ‬ثم‭ ‬تنتظر‭ ‬الموكب‭ ‬حتى‭ ‬يمر‭ ‬بكامله،‭ ‬وكان‭ ‬كاظم‭ ‬مرتبكاً،‭ ‬ويحاول‭ ‬أن‭ ‬يفسح‭ ‬مكاناً‭ ‬في‭ ‬الطريق،‭ ‬فطلب‭ ‬منه‭ ‬المهندس‭ ‬حسام‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬يفعل،‭ ‬اي‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬يقف‭ ‬ولا‭ ‬يفسح‭ ‬لهم‭ ‬الطريق،‭ ‬وليفعلوا‭ ‬ما‭ ‬يشاؤون،‭ ‬وطبعاً‭ ‬كاظم‭ ‬يحب‭ ‬هذه‭ ‬الحركات،‭ ‬صار‭ ‬يحاول‭ ‬منعهم‭ ‬من‭ ‬التخطي،‭ ‬وهو‭ ‬يضحك‭ ‬سعيداً‭ ‬بهذه‭ ‬المهمة،‭ ‬لكن‭ ‬سيارتين‭ ‬من‭ ‬الموكب‭ ‬استطاعتا‭ ‬تخطي‭ ‬سيارتهما،‭ ‬أما‭ ‬الأخريات‭ ‬فبقيت‭ ‬خلفهما،‭ ‬تطلق‭ ‬الأبواق‭ ‬طوال‭ ‬الوقت،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬اتسعت‭ ‬الطريق‭ ‬وحلت‭ ‬المشكلة،‭ ‬عندها‭ ‬سأله‭ ‬كاظم‭:‬
‭ - ‬لماذا‭ ‬طلبت‭ ‬مني‭ ‬ذلك؟
‭ - ‬هؤلاء‭ ‬السياسيون‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬لديهم‭ ‬عادات‭ ‬سيئة‭.. ‬فهم‭ ‬يخافون‭ ‬على‭ ‬أنفسهم،‭ ‬ويمارسون‭ ‬التصرفات‭ ‬الأمنية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تراعي‭ ‬أرواح‭ ‬المواطنين‭. ‬
كان‭ ‬يقصد‭ ‬المهندس‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬السياسي‭ ‬الكبير،‭ ‬يعلم‭ ‬أن‭ ‬الطريق‭ ‬ضيقة،‭ ‬وأن‭ ‬أي‭ ‬محاولة‭ ‬من‭ ‬السائق‭ ‬للافساح‭ ‬في‭ ‬الطريق،‭ ‬قد‭ ‬تعرضه‭ ‬للخطر،‭ ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬فهو‭ ‬لا‭ ‬يكترث‭. ‬