قلت واحدة
كنا في البقاع مع شخص ثالث، وهذا الرجل من منطقة البقاع، وعندما جعنا، كلفه المهندس بتأمين الغداء، باعتباره من سكان المنطقة ويعرف ما فيها، وأحب هذا الشخص أن يكرم المهندس، فطلب من الطعام ما يكفي لستة أشخاص، بينما نحن ثلاثة فقط، استنكر طبعا المهندس هذا العمل، وحدثه بأدب عن الاسراف، وعن الحاجة، ولم تكن العودة عن هذا الخطأ ممكنه، فالطعام جُهّز من أجلنا. اكلنا ما كنا نريد أكله، وبقي الكثير من الطعام. لم يخجل المهندس، ووسط دهشة الرجل، طلب من العامل في المطعم، أن يوضّب له الطعام ليأخذه معه. وضع الطعام في السيارة التي أعادتنا إلى بيروت، وما أن وصلنا إلى مشارف الضاحية، وإذا بأحد المتسولين يستعطينا مالاً، فسأله المهندس:
- لماذا تريد مالاً؟
- لا يوجد عندنا طعام.. أنا جائع.
فناوله المهندس كيس الطعام وقال له:
- إذا أنت جائع فأنت تحتاج لهذا الكيس.
كانت علاقتي به متينة، ولشدة حبي له كنت أتجنب كثيراً إغضابه، ولو بمقدار بسيط، وهو يعاملني بكثير من الإلفة، ولكني في ذلك اليوم أغضبته، حين طلب مني أن أناوله محرمة، وعلى عجل ناولته أربعة محارم، نظر إليّ بغضب وقد جحظت عيناه وقال:
- عبااااس... قلت محرمة.
- ولكن أنا...
- حاجتي هي واحدة.. لماذا تعطيني أربعة.
ثم قال بعد ذلك بهدوء الأب المعلم:
- الكثرة في هذا لا تعبّر عن مدى الارتباط.. أو الحب.. إنه تبذير يا عباس.. لأن حاجتي هي لواحدة فقط.. لأنك تحبني لو طلبت منك أربعة وأنت تعلم أن واحدة تكفيني فاعطني واحدة فقط.