سينشر شكواه في الصحيفة
كان المهندس حسام يتأسف بشدة لحالة الإهمال الموجودة في لبنان، وكان يقول:
- أنا عندما أتيت إلى لبنان كنت أعرف أن هناك مشاكل في الطرقات، لكنني اكتشفت أن هناك مآسٍ وآلام، جئنا لنبني طريقاً مختصراً، فتفاجأنا بأن بعض المناطق ما زالت بكراً، لم يمسها شيء اسمه بنى تحتية، جئنا بمهمة لإعادة إعمار ما دمرته الحرب، فراينا أن ما كان موجوداً هو كأن أحداً بنى جسراً من دون أعمدة، فاضطررننا إلى إعادة بناء الأعمدة قبل الجسر، لذلك طالت المهمة.
لم يكن يرضى بغير العمل الكامل والمتقن، وهذا هو الذي كان يعبر عنه دائماً في كل مواقفه، أن نقوم بالعمل بما يرضي الله.
كثيرة هي المشاكل والمعوقات التي كانت تحدث خلال تأديته لأعماله، مشاكل قد يستغلها غيره ويبرر فيها عدم الاتقان، أو التأخر في تقديم الأفضل، لكنها لم تكن كذلك بالنسبة له، بعض المشاكل التي كانت تحصل في تنفيذ الطرقات، كان المهندس حسام يحسب بدقة حركة المياه على الطريق، وعلى كل طريق ينفذه يصر على وجود عبارات للمياه، حتى لا تعلق المياه على الأسفلت، ويقول:
- المياه والزفت لا يتفقان.
أحياناً، كان يؤدي ذلك إلى تأخير التنفيذ، لصعوبة ذلك في بعض الأماكن، كان يقول حينها:
- أيهما أفضل، أن ننفذ طريقاً يخرب بعد عام، أو أن ننفذ طريقاً يدوم أكثر من خمسين عاماً... لا مشكلة في بعض التأخير.
كثيراً ما كان يعاني من مشاكل طارئة تواجهه، وتبدو بلا حلول، لكنه يتجاوزها جميعاً، لا شيء يعيقه عن إتمام عمله بأفضل الوجوه. وفي بعض الأحيان، عندما نذهب لتنفيذ طريق يتضح أن هناك شبكات للهاتف لم تكن ملحوظة في الدراسة، فتبلغ وزارة الاتصالات بذلك، فتتأخر في الاستجابة، أو لا تستجيب مطلقاً، فيعمد المهندس إلى اجتراح الحلول، كان يبني جسوراً فوق هذه الشبكات ليتم العبور عليها، كي لا تعيق تقدم الأعمال، وحين تعلم الوزارة بما فعل، ترسل اليه اللوم والشكوى على ما فعل، فكان يصمت ولا يبالي بردة الفعل هذه، بل كان يعود للعمل وكأنه لم يحدث شيء، ويقول متسائلاً:
- هل أوقف المشروع ونحن في حالة طوارئ؟
لقد تحمل الكثير من الكلام، وردّات الفعل غير المناسبة التي لا تستطيع ان تستوعب اخلاصه وتفانيه، كان يتحمل كل ذلك بطريقة مؤثرة، لا نملك معها سوى الاعجاب بقدرته على الصبر والاحتمال، لكن التأثير الأكبر هو عندما يتأذى أو يؤذيه أحدهم بالكلام أو التجريح، كان يلتزم الصمت التام، ويكمل عمله كأنه لم يسمع شيئاً طوال فترة عمله، وهو الذي يتعاطى مع عدة مقامات وشخصيات مختلفة، وفي بعض الأحيان كان عدداً من هؤلاء الناس يقسون عليه بالكلام، ويوجهون إليه الكثير من التجريح، فبعض النواب والوزراء كانوا يتصلون به، ويطلبون أن يعبد لهم طرقاً خاصة، وكان يرفض طبعاً وهو لا يقول لا لأحد، ولكنه لا يعده بشيء، ينظر إلى الاحقية لا إلى المناصب، فالناس عنده سواسية في الحقوق، وحين لا يرى حقا أو حاجة لا ينفذ، فيوجه له الآخرون تجريحاً شديداً، لكنه يصمت ويشد عزمه، ويكمل ما كان يقوم به عن قناعة واخلاص، كأن شيئاً لم يكن، كان يدقق في كل مطلب، حتى حين يرده شكوى أو لوم أو تجريح كان يعود ليراجع نفسه قائلاً: - خلينا نشوف بماذا أخطأنا.
خلال تنفيذ طريق “بعلبك التوفيقية”، كان الناس أحياناً يمنعون شاحنات الزفت من الوصول إلى المكان، وذلك اعتراضاً منهم على عدم تعبيد طرقات بلداتهم، أو الطرقات الفرعية أمام منازلهم، ويقولون:
- نحن انتظرنا الزفت منذ 50 عاماً.. لن ندعه الآن يمر دون أن نستفيد منه.
كان الشهيد حسام لا يستاء من الناس رغم ما يسببونه من تعطيل للعمل، بالإضافة إلى ما يرتب ذلك من أكلاف إضافية على تنفيذ الطريق، ويتفهم المنطلقات التي ينطلقون منها، ويعرف أن السبب الأساسي هو الحرمان المتراكم من جيل إلى جيل، كان يتعاطف معهم، وينفذ لهم أغلب مطالبهم، بل كان يوصي المتعهدين بأن لا يكون العمل سطحياً، وأن يتم التعبيد بكل المواصفات العالية التي يعتمدها في تعبيد الطرق المهمة، فيقول له المتعهدون:
- نحن سنضع لهم الزفت وهم يتصرفون فيه كما يريدون.
لكنه كان يرفض ذلك بشدة، وان رضي به الاهالي ، ويقول:
- الآن أصبح الزفت ملكاً لبيت مال المسلمين، ويجب أن يحمل المواصفات التي تجعله يدوم لفترة طويلة.
لقد تعرض المهندس للكثير من الأذى، والكثير من الإساءات، ولم يكن رده الإ جميلاً، ولم يكن يشكو أو يعلن عن تلك المشاكل والاساءات، حتى قيل له:
- لماذا لا تنشر ما يحصل في الصحف.
فكان رده البليغ الذي لم يعرف الكثيرون مغزاه:
- سينشر ذلك في الصحيفة الكبرى دون أن أطلب.