img

وَجَاءَ‭ ‬مِنْ‭ ‬أَقْصَىَ‭ ‬المَدِيْنَةِ‭ ‬رَجُلٌ‭ ‬يَسْعَىَ

لتحميل الكتاب

النواحي‭ ‬القانونية


لقد‭ ‬كانت‭ ‬وظيفتي‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬العملية‭ ‬هي‭ ‬الإشراف‭ ‬القانوني‭ ‬على‭ ‬الأمور‭ ‬التي‭ ‬ينظمها‭ ‬المهندس‭ ‬حسام‭ ‬مع‭ ‬الحكومة‭ ‬اللبنانية،‭ ‬وعلى‭ ‬العقود‭ ‬والاتفاقيات‭ ‬التي‭ ‬ينظمها‭ ‬مع‭ ‬غير‭ ‬الحكومة‭ ‬من‭ ‬شركات‭ ‬ومتعهدين،‭ ‬كنا‭ ‬نتعاطى‭ ‬مع‭ ‬أشخاص‭ ‬في‭ ‬الحكومة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬من‭ ‬الوعي‭ ‬والفهم‭ ‬القانوني،‭ ‬وفي‭ ‬المقابل،‭ ‬كنا‭ ‬نتعامل‭ ‬مع‭ ‬متعهدين‭ ‬أقل‭ ‬معرفة‭ ‬بالأمور‭ ‬القانونية،‭ ‬فغالبا‭ ‬ما‭ ‬نتصادم‭ ‬معهم‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬يطالبون‭ ‬به،‭ ‬أو‭ ‬يدّعون‭ ‬أن‭ ‬لديهم‭ ‬حق‭ ‬عندنا،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬المهندس‭ ‬يطلب‭ ‬إليّ‭ ‬ألا‭ ‬أختلف‭ ‬مع‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأشخاص‭ ‬لأننا‭ ‬هنا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬خدمتهم‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬يقول‭.‬
أما‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬العقود‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬توقع‭ ‬مع‭ ‬الجهات‭ ‬الخارجية،‭ ‬فكان‭ ‬يصر‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬كل‭ ‬البنود‭ ‬واضحة‭ ‬للطرف‭ ‬الآخر،‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬يوقعوا‭ ‬على‭ ‬أمر‭ ‬يجهلونه،‭ ‬ويكون‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬مصلحتهم،‭ ‬خاصة‭ ‬تلك‭ ‬البنود‭ ‬التي‭ ‬تهمهم،‭ ‬قبل‭ ‬البنود‭ ‬التي‭ ‬تصب‭ ‬في‭ ‬مصلحة‭ ‬الهيئة،‭ ‬وكنت‭ ‬أقول‭ ‬له‭:‬
‭ - ‬ليس‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬الإضاءة‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬البنود‭.‬
إلا‭ ‬أن‭ ‬الشهيد‭ ‬كان‭ ‬يصر‭ ‬على‭ ‬إيضاحها،‭ ‬لأنه‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬الأمور‭ ‬بطريقة‭ ‬أخلاقية،‭ ‬ودائماً‭ ‬يقف‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الحق‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬مع‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الحق،‭ ‬وفي‭ ‬المقابل‭ ‬لا‭ ‬يتنازل‭ ‬عن‭ ‬حقه‭ ‬إذا‭ ‬تم‭ ‬الاتفاق،‭ ‬ولا‭ ‬يأكل‭ ‬حقوق‭ ‬الآخرين،‭ ‬وإن‭ ‬بمقدار‭ ‬شعرة‭.‬
في‭ ‬احدى‭ ‬المرات‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬مشكلة‭ ‬حصلت‭ ‬مع‭ ‬إحدى‭ ‬الشركات،‭ ‬تلك‭ ‬الشركة‭ ‬التي‭ ‬التزمت‭ ‬أعمال‭ ‬الإضاءة‭ ‬على‭ ‬الطاقة‭ ‬الشمسية،‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬مارون،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الأخيرة‭ ‬لم‭ ‬تقم‭ ‬بإنجاز‭ ‬الأعمال‭ ‬وفق‭ ‬دفتر‭ ‬الشروط،‭ ‬فوقع‭ ‬الخلاف‭ ‬بين‭ ‬الهيئة‭ ‬وبين‭ ‬الشركة،‭ ‬ورفع‭ ‬الأمر‭ ‬إلي،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬المهندس‭ ‬حسام‭ ‬تدخل‭ ‬بالموضوع‭ ‬وطلب‭ ‬مني‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬محامي‭ ‬هذه‭ ‬الشركة،‭ ‬ادافع‭ ‬عن‭ ‬حقها‭ ‬قبل‭ ‬حق‭ ‬الهيئة،‭ ‬دفعاً‭ ‬لاي‭ ‬ظلم‭ ‬قد‭ ‬يلحق‭ ‬بهذه‭ ‬الشركة‭.‬
وقبل‭ ‬5‭ ‬أو‭ ‬6‭ ‬أشهر‭ ‬من‭ ‬استشهاد‭ ‬المهندس‭ ‬حسام‭ ‬خوش‭ ‬نويس،‭ ‬كنا‭ ‬في‭ ‬البقاع‭ ‬للإشراف‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬يتم‭ ‬تنفيذه‭ ‬هناك،‭ ‬ولأن‭ ‬المهندس‭ ‬حسام‭ ‬كان‭ ‬يلزّم‭ ‬الأعمال‭ ‬لمتعهدين‭ ‬صغار،‭ ‬لأنه‭ ‬يريد‭ ‬تشجيعهم‭ ‬ومساعدتهم،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬انهم‭ ‬لا‭ ‬يمتلكون‭ ‬مواصفات‭ ‬الشركات‭ ‬الكبيرة‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬القانونية،‭ ‬ومنها‭ ‬التأمين،‭ ‬وعندما‭ ‬كنا‭ ‬نشرف‭ ‬على‭ ‬سير‭ ‬العمل‭ ‬هناك‭. ‬حدث‭ ‬حادث‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬وجودنا،‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬عامل‭ ‬يقوم‭ ‬بتربيط‭ ‬الحديد،‭ ‬وهو‭ ‬يعمل‭ ‬لدى‭ ‬المتعهد‭ ‬الذي‭ ‬التزم‭ ‬العمل،‭ ‬وإذ‭ ‬بأحد‭ ‬الرجال‭ ‬يركب‭ "‬المحدلة‭" ‬ويشغل‭ ‬محركها،‭ ‬فسارت‭ ‬إلى‭ ‬الأمام،‭ ‬ثم‭ ‬رجعت‭ ‬على‭ ‬العامل‭. ‬فقمنا‭ ‬بنقله‭ ‬إلى‭ ‬المستشفى،‭ ‬مع‭ ‬العلم‭ ‬أن‭ ‬العامل‭ ‬ليس‭ ‬تابعاً‭ ‬للهيئة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الشهيد‭ ‬حسام‭ ‬لم‭ ‬يكتفِ‭ ‬بنقله‭ ‬إلى‭ ‬المستشفى،‭ ‬بل‭ ‬ترك‭ ‬أعماله‭ ‬وظل‭ ‬إلى‭ ‬جانبه‭ ‬حتى‭ ‬أطمأن‭ ‬عليه،‭ ‬وقام‭ ‬بدفع‭ ‬تكاليف‭ ‬علاجه‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬المتعهد‭ ‬دفعها،‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬امتنعت‭ ‬شركة‭ ‬التامين‭ ‬عن‭ ‬دفع‭ ‬التكاليف،‭ ‬لأن‭ ‬العامل‭ ‬ليس‭ ‬تابعا‭ ‬للهيئة،‭ ‬وظل‭ ‬يتابعه‭ ‬حتى‭ ‬تماثل‭ ‬للشفاء،‭ ‬ولم‭ ‬يكتفِ‭ ‬بذلك،‭ ‬بل‭ ‬ظل‭ ‬يساعده‭ ‬مادياً‭ ‬بعد‭ ‬خروجه‭ ‬من‭ ‬المستشفى،‭ ‬حتى‭ ‬أنه‭ ‬قرر‭ ‬أن‭ ‬يشتري‭ ‬له‭ ‬بيتاً،‭ ‬ليستفيد‭ ‬منه‭ ‬ماديا‭ ‬هو‭ ‬وعائلته،‭ ‬لكن‭ ‬سعر‭ ‬المنازل‭ ‬مرتفعٌ‭ ‬جداً،‭ ‬ولم‭ ‬يتمكن‭ ‬المهندس‭ ‬حسام‭ ‬من‭ ‬شرائه،‭ ‬فتوصل‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬إلى‭ ‬جمع‭ ‬مبلغ‭ ‬من‭ ‬المال‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الأشخاص‭ ‬الذين‭ ‬تمكنوا‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬خاصة‭ ‬الذين‭ ‬كان‭ ‬يعمل‭ ‬معهم‭ ‬العامل‭ ‬المصاب،‭ ‬وظل‭ ‬هذا‭ ‬العامل‭ ‬يتردد‭ ‬إلى‭ ‬مركز‭ ‬الهيئة‭ ‬من‭ ‬فترة‭ ‬إلى‭ ‬اخرى،‭ ‬يطالب‭ ‬بالتعويض،‭ ‬وهو‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬الهيئة،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬صادف‭ ‬لقاؤه‭ ‬بالمهندس‭ ‬حسام‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬المرات‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬المهندس‭ ‬متواجداً‭ ‬فيها‭ ‬داخل‭ ‬مكتب‭ ‬الهيئة،‭ ‬وكانت‭ ‬هذه‭ ‬آخر‭ ‬مرة‭ ‬يلتقيه‭ ‬فيها،‭ ‬حيث‭ ‬تفقد‭ ‬أوضاعه،‭ ‬وأخذ‭ ‬عنوان‭ ‬منزله‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬ليزوره‭ ‬هناك،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬شهادة‭ ‬المهندس‭ ‬حسام‭ ‬حالت‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬بتلك‭ ‬الزيارة‭. ‬