أماكن قدسية
ممّا لفتني وبقيَ في ذاكرتي محفورًا عن المهندس الحاج حسام خوش نويس هو علاقته بمليتا، تلك البقعة التي كان يعدها سيّدة الأماكن، ورحم المقاومة، الحاضنة الأولى لانطلاقة المقاومة ضد الاحتلال، يعرف الكثير عن مجاهديها، معرفة عاشق محبّ حتّى الهيام، معرفة سبقت حضوره إليها حين اصطحبتُه إلى هناك.
حين صعد إليها للمرّة الأولى كانت الطريق صعبة وعرة، وهو الذي صمّم الطريق إليها، وموقف السيارات، لكنّ قلبه ظلَّ يتلفت إلى الطريق الذي كان يسلكه المجاهدون أفرادًا راجلين، مثقلين بالمؤونة والعتاد تحت الخطر، ليسلك ذات الدروب بنفسه مثلهم، وهو مثقلٌ بتلك المشاعر المتدفّقة، ويتتبّع تلك الخطوات إلى حيث رابطوا.
لن أبالغ إن قلت أنّني ما رأيت قبله ولا بعده تأثّرًا مثل تأثّره، ولا سمعت حديثًا مفعمًا بالمشاعر الصَّادقة مثل حديثه، حتّى إذا وصل إلى حيث كانت مكامنهم، تسبقه دقّات قلبه الخافق، توقّفَ وصمَتَ على مداخلها، وقد بدا عليه التهيّب والرّهبة، وهو ينقل قدميه بخشوع.
لم يدخلها بغير وضوء، وهناك صلى ركعتين كما يصلّي في أيّ مسجد ومكان عبادة، وهناك صمّم مكانًا للوضوء، وصمّم للصلاة مصلّى عن اليمن وآخر عن الشمال، واحد للنساء، وآخر للرجال.
أراد للزائرين أن يعلموا أنهم يدخلون الى أماكن عبادة، قدّستها أنفاس المجاهدين وأجسادهم، وهي حتى الآن قائمة في مليتا؛ أطاعه أكثر زوّارها، وحذوا حذوه، يصلّون مستشعرين قدسيّة المكان، وإن لم تستطع جوارحهم الارتقاء إلى الحالة التي كانت تصل إليها جوارح المهندس الشهيد، فأنا لم أرَ من استطاع الارتقاء الى تلك الحالة الوجدانية من المشاعر المثقلة بالعشق والشغف مثله، والتي ستبقى ماثلة أمام ناظريّ كلما توضأت وصلّيت في ذلك المصلى الذي بناه هناك، في بادرة فريدة لهذا المكان.